في مجتمعنا الشرقي يوجد الكثير من الصراعات حول الاختلاف بين تربية البنات وتربية الأولاد، فيؤكد البعض أن تربية البنات أسهل بينما ينفي البعض الآخر، وهنا ينشب الخلاف بين التجارب في التربية وبين المعتقدات الموروثة، متناسين العلم والإحصاءات التي أصدرتها الأبحاث والتجارب على حياة كل من الأولاد والبنات منذ وجودهم أجنة في رحم الأم حيث وجدوا أن الفتيان يعرّضون الأم لاكتئاب ما بعد الولادة أكثر من الفتيات، كما تؤثر الصدمات النفسية من (صدمة الولادة، الفطام) على المواليد الذكور أكثر حيث تؤثر هذه الصدمة بشكل كبير على نمو النصف الأيمن من الدماغ وهو مسؤول عن تنظيم الذات، مما يجعل العاطفة لدى الرجال فيما بعد تأتي في مرحلة متأخرة ليست كالنساء اللآتي يعرفن بالتفكير بقلوبهن.
ومن الجدير بالذكر أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بضغط الدم المرتفع الذي بدوره يجعلهم أقل عمرًا من النساء. وبالرغم من امتلاك الفتيات معدة وكلى أكبر لكنهن يمتلكن رئتين أصغر، مما يعطيهن قدرة أقل على التنفس من الرجال.
ويمكننا أن نعلم بعض الاختلافات بين الذكور والإناث والتي تعطينا أكبر إفادة للتعامل بشكل جيد مع أطفالنا، فمنذ الولادة واختيار الألوان والألعاب التي تتماشى مع الأولاد مختلفة عن تلك التي تناسب البنات، حيث أثبتت الدراسات ذلك، وأن الألعاب التي يختارها الطفل نفسه تختلف باختلاف جنسه.
ولكن هل هناك أفكارًا موروثة خاطئة؟ هذا ما سنعرفه بعد.
الاضطرابات العصبية والنفسية
الأولاد الصغار أكثر عرضة للإصابات النفسية والعصبية من البنات، والتي تتمثل في التوحد وانفصام الشخصية وفرط الحركة ADHD ، ففي ضوء نضوج دماغ الذكور البطيء فإن وظيفة تنظيم التعلق بالأم لما لها من استجابة سريعة الحساسية، تؤثر على منظم دماغه غير الناضج في السنة الأولى، حيث يؤدي الإجهاد إلى زيادة حادة في الكورتيزول والذي يعتبر ضغطًا شديدًا على تكوين الدماغ، وهو يعد أمرًا ضروريًا لتطور دماغه الذكورية.
وبذلك فلنعلم أن الأولاد خاصة لا يحتاجون للمعاملة بقسوة ولا التعرض للضغوطات النفسية الشديدة (كما هو معتاد حتى يصبحوا رجالًا)، فلا تأمره بالتوقف عن البكاء بحجة أن الرجل لا يبكي بل تتعامل معه بالرقة واحترام مشاعره وتعليمه كيفية التعبير عنها وتفهم احتياجاته للحضن واللطف بعكس ما هو معروف أن كل هذا يحتاجه البنات فقط. ولن ننسى أن الجنسين يحتاجون للرعاية النفسية والصحية، ولذلك ننصح الأمهات العاملات بأخذ إجازة وضع لمدة لا تقل عن سنة حتى تستطيع توفير الرعاية اللازمة للمولود. كما يمكنك قراءة (دليلك لتحميم حديث الولادة) و(نصائح لتنظيم نوم رضيعك).
العلاقات الاجتماعية
جميع الأطفال تبدأ تعزيز الصحة النفسية بالتأثر بالرضاعة الطبيعية ومن خلال التلامس مع الأم، ومن ثم اللعب مع الزملاء في مرحلة الطفولة والتعامل مع مقدمي الرعاية من الكبار والدعم الاجتماعي الإيجابي حوله.
وبالرغم من هذا تكون الفتيات أفضل في معرفة مشاعر الناس بناء على تعبيرات الوجه، ولذلك وجدت دراسة أن الفتيات تفضلن النظر إلى الوجوه أكثر من الهواتف المحمولة، بينما العكس صحيح بالنسبة للأولاد. حيث يوجد لدى أدمغة الذكور كمية أقل من الأوكسيتوسين (هرمون الميل والعطف) الذي يوجد بشكل وظيفي، مما يؤدي إلى أن يكون الذكور أقل تحفيزًا بيولوجيًا لإرضاء الوالدين والمعلمين والأقران وأيضًا أثناء قيامهم بإنشاء العلاقات والمحافظة عليها، بينما يتطور في أدمغة البنات النصف الأيسر من المخ بشكل أسرع مما يجعلهن أكثر شفافية وتواصلاً وحساسية وأيضًا أكثر عرضة للفوبيا والاكتئاب.
وبالتالي نتفهم أن تربية كلا الجنسين لها صعوبة خاصة بها فتكمن صعوبة تربية الأولاد في كونهم أقل إرضاء للكبار، لذلك يحتاجون للتعامل بشكل خاص حتى لا يعاني الوالدان معهم من العناد والغضب وسوء السلوك والتمرد، بينما تربية البنات تكمن في تدعيمها حتى لا تصبح عرضة هشة للكسر وإعطائها الثقة في نفسها حتى لا نتركها عرضة للاكتئاب والفوبيا، فكلاهما يحتاجان متطلبات للرعاية حتى يصبحوا أسوياء نفسيًا وعصبيًا. ويمكنك قراءة (10 حلول للتعامل مع الطفل العصبي).
العدوانية
يوضح العلماء أن هرمون التستوستيرون يزداد عند الذكور مما يؤدي إلى مزيد من العدوانية والقدرة التنافسية أكثر وتأكيد الذات والاعتماد على النفس بصورة أكبر من الفتيات، ومع زيادة الكتلة العضلية تزداد قدرتهم على المواجهة الجسمانية، ومع ذلك فإن البنات يفضلن اللدغ والضرب بشكل يصل لثلاثة أضعاف ما يفعله غيرهن في نفس العمر، وبالتالي فكلاهما يستخدم العدوان بشكل مختلف عن الآخر. فوفقًا لتركيب أدمغة الذكور حيث يكبر حجم الجزء المسؤول عن الغضب والخوف مما يجعلهم أكثر احتمالًا لاتخاذ إجراءات بدنية واندفاعية إذا أعطيت تحفيز التهديد لهم. كما تميل الذكور إلى إدراك الحواس والتنسيق والتحكم الحركي بشكل أكبر وهذا يجعل الرسائل بين الدماغ والجسم تدعوه للتحرك بسرعة أكبر وبدرجة أقل من السيطرة عليها مما يجعلهم أكثر اندفاعية لارتكاب الجرائم العنيفة.
لذلك يجب تفريغ طاقة الأولاد أولاً بأول بطريقة إيجابية، بواسطة الاشتراك في لعبة رياضية والمواظبة عليها حتى لا تتحول لعدوانية، وتعليمه كيفية استخدام قوته العضلية فيما ينفعه وينفع غيره من أسرته وزملائه ولا يستخدمها ضدهم.
أما بالنسبة للبنات، فيجب توظيف استراتيجيتهن التخطيطية فيما يفيد عقولهن وأنفسهن وتعليمهن كأشغال يدوية تتطلب التواصل العضلي البصري وتخيل الشكل النهائي أثناء قيامهن بالعمل نفسه، وكل هذا يجعلهن يحيدن عن التعصب والعدوانية والضرب والشجار مع أقرانهن.
التطور والنمو منذ الولادة
هنا الأقاويل والتجارب الشخصية كثيرة للغاية ومتخبطة في الفرق بين حركة البنت والولد كالجلوس والزحف والمشي وبدء الكلام المبكر وأيضًا تعليم النونية (البوتي)، يوجد الكثير من الجدل حول من يتعلم أسرع، ومن يبدأ بالمشي مبكر ومن يستطيع التحدث بطلاقة بصورة أكبر ومفهومة أكثر، بل من منهم ينطق كلماته الأولى مبكرًا.
بالرغم من أن الكثير من الآباء والأمهات يؤكدون أن الأولاد يتحركون أسرع من البنات، فإن الدراسات الحديثة أثبتت أن البنات تظهر التطور الحركي مثل: ركل كرة كبيرة أو ركوب دراجة ذات الثلاث عجلات أو الركض والقفز بشكل أفضل من الأولاد، وبرغم ذلك فهناك اختلافات وفروق إجمالية تتبع الوسط البيئي والمهارات البدنية التي تعتمد على الحجم الطبيعي، لتناسب وزنهم بالنسبة لأعمارهم، فكلا الجنسين يبدأ المشي بين 9 و16 شهرًا.
لكننا عندما نأتي للتحدث فبالفعل الأولاد يتحدثون في وقت لاحق عن البنات، وهذا بسبب بطيء نضج الفص الجبهي في دماغ الأولاد مما يتسبب في مهارات أقل للتواصل من البنات، كما تصبح منطقة بروكا (وهي المسؤولة عن التعبير وإنتاج الكلمات) أقل نشاطًا في الذكور، ومع ذلك فإن نسبة ضئيلة جدًا لا تتعدى 3% هي المسؤولة عن الجنس لتعلم الطفل الكلام، ولكن الأصل في التعلم هو التعرض للغة بشكل أكبر من خلال بيئة متكاملة ويتحدث معه كل من حوله وخاصةً الأم فهي المعلم الأول للطفل ويمكنك قراءة هذا المقال لمزيد من المعرفة (لماذا نحتفل بعيد الأم وليس الأب؟)
وعندما نتحدث عن إمكانية التخلص من الحفاض والتدرب على النونية، فنرى أن البنات يتعلمن أسرع بكثير من الأولاد، حيث إن معظم الفتيات يتدربن على المرحاض من 22 إلى 30 شهرًا، بينما يأخذ الأولاد فترة أطول عنهن قد تصل لسنة إضافية حتى يتخلصوا تمامًا من الحفاض، كما يمكن للفتيات تعلم استخدام النونية بمفردهن في سن أصغر من الأولاد بفارق خمسة أشهر.
التحصيل الدراسي
فيما يتعلق بالتحصيل الدراسي يجزم الجميع أن الفتيات يتفوقن على الأولاد، وهذه حقيقة في تعلم اللغات، لكن الأولاد يتفقون عليهن في الرياضيات والمسائل الحسابية والاستكشاف، لأنه يتطور النصف الأيمن من أدمغة الأولاد بشكل أفضل مما يجعلهم أكثر تطورًا بصريًا، حيث تعرقل الصورة النمطية أدمغة الإناث عند حل المسائل الرياضية، وبذلك فلن يتفوق أحد الجنسين في التحصيل المطلق بل لكل منهم طريقة للتحصيل، لذلك علينا أن ننتبه عند تعليم أطفالنا لنجد طريقة تناسب بناء عقولهم حتى يتمكنوا من استيعاب الشرح.
ويمكنك قراءة (كيف تشجعين طفلك علي المذاكرة؟)
طرق التعلم
تختلف باختلاف التركيب العقلي لكل من الجنسين، حيث توجد اختلافات بيولوجية بينهم، حيث يفضل الأولاد التفكير الميكانيكي والهيكلي لذا يميلون للوظيفة التنفيذية والقدرة على حل المشاكل المتعلقة بالحجم والمسافة والعلاقة بين الأشياء، حيث توصلت دراسات إلى أن الأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 و5 أشهر يمكنهم تصور كيفية ظهور الجسم عند تدويره، بينما لا تستطيع الفتيات من نفس العمر عمل ذلك، لذا يجب اختلاف طريقة عرض الشرح الأكاديمي في المدارس بين الأولاد والبنات.
الذاكرة
لدى الذكور عدد أقل من الخلايا العصبية التي تعزز وظائف ذهنية أعلى، وهذا يؤدي إلى بطء سرعة المعالجة وهذه المنطقة هي مركز صنع القرار في الدماغ والتي لا تزال غير مكتملة في البداية والذي يفسر النبضات الحسية التي توجد في القشرة الدماغية الأمامية والتي تظهر قبل اكتمال نمو عظام الجمجمة من الأمام بعد الولادة. وهذا يجعل الذكور أقل ذاكرة من الإناث حيث توجد ذاكرة صغيرة متاحة لتخزين المعلومات، بالرغم من أن هذه الاختلافات في الفصوص الدماغية للذكور تجعلهم أكثر عرضة لرؤية أفضل في الضوء الساطع.
وبذلك فتتمتع الإناث بذاكرة أفضل بينما يتمتع الذكور برؤية عميقة أفضل. ويمكنك قراءة (تدريبات ضعف الذاكرة: كيف تقوي ذاكرة طفلك؟)
التركيز وتعدد المهام
في أدمغة الذكور تنتقل البيانات بصورة أقل مما يجعل أدمغتهم منظمة أكثر وأفضل في تقسيم المناطق، كما أن لديهم حساسية أقل للشفقة، ولكنها تمتلك قدرًا أكبر من المنطقة الرمادية، مما يجعلها أقل كفاءة في تعدد المهام وتحسين التعلم من خلال التركيز على المهام والمشاريع.
تعمل أدمغة الأولاد بشكل عام مع تدفق دم أقل بنسبة 15٪ من الفتيات، ولذلك لا يستطيعوا تنفيذ مهام متعددة كالفتيات.
ولكن تركيب أدمغة الأولاد تجعلهم ينخرطون في تنفيذ المهمة بشكل أسرع من البنات مما يؤدي إلى استجابة أسرع للطلبات.
ومن ذلك يمكنك إعطاء مهمة واحدة أو اثنتين فقط لطفلك الولد وبعد قيامه بها يمكنك إعطاء غيرها، حيث تصبح استجابته أسرع وتركيزه أعلى بها من إعطائه الكثير من المهام التي تتداخل في ذاكرته ولن يستطيع تنفيذ أي منها.
ولكنه عند إعطاء مهام للبنات فيمكنك إعطاء المزيد وانتظري قليلاً حتى تعيد ترتيبها بالصورة التي تراها وأعطها الوقت الكافي ولا تتعجلي في استجابتها لهم.
إعادة شحن الطاقة
يمتلك دماغ الذكور حالة راحة أساسية بين المهام لإعادة الشحن لكي يستطيع البدء في مهمة جديدة، حيث ينخفض هرمون الكورتيزول (هرمون الإجهاد) بشكل أسرع من الفتيات لإزالة التعب، لذلك تحتاج الإناث فترة أكبر للنوم لكي يستريح الدماغ بشكل ملحوظ عن الذكور.
وبالتالي يحتاج طفلك الولد إلى روتين مليء بالطاقة والمهام المحددة بالموعد المحدد مع اشتراكه في لعبة رياضية تحفز عقله وتجعله ينمو بشكل أفضل ولا تترك طفلك للفراغ، بينما أعط طفلتك الوقت الكافي لكي يستريح عقلها للانتقال بين المهام المختلفة حتى تعطي نتائج أفضل.
وبالرغم من أن الاختلافات بين الأولاد والبنات واضحة تمامًا لكنها في الواقع فروق صغيرة وتتعلق أكثر بالتجارب الحياتية، مما يجعل تطور السلوك يصبح رد فعل لما يتعرض له الإنسان بصورة عامة، فذكرًا كان أو أنثى كلاهما بحاجة خاصة للاهتمام والتشجيع منذ الولادة، ويختلف الإدراك المعرفي بينهم بالقراءة والثقافة وتعلم التعامل مع الذات وقيادة مشاعرهم وفهم أنفسهم وتركيبهم منذ نعومة أظافرهم ووجود من يسمعهم ويحتضنهم ويهتم لكلامهم ويأخذه على محمل الجد ولا يكل ولا يتعب أبدًا من تعليمهم وتجربة مختلف المجالات معهم، والإبحار في النفس البشرية لن يتوقف أبدًا، وفي النهاية لكل قاعدة شواذ، فلا تيأس لو كان لديك طفل مختلف عن أقرانه فهو في الواقع متميز، فقط قم برعايته كإنسان دون أن تدرجه تحت جنسه ذكر أم أنثى، فقط قم بدورك نحو طفلك على أكمل وجه.