حان الوقت لأن يُنظر للحركة التي جاءت بوجهة نظر جديدة في النظرية التربوية لأننا نخطئ فهم طبيعتها خصوصاً في الطفولة، فهناك عدد من الأفكار الخاطئة تجعلنا نفكر فيها على أنها شيء أقل نبلاً مما هي في حقيقتها، وكجزء من الحياة المدرسية التي تعطي الأولوية للعقل جرى العرف – للأسف- على إهمال دور الحركة وكانت إذا قبلت فأنها تصنف تحت عنوان «التمرينات الرياضية» أو «التربية البدنية» أو «ألعاب» لكي نتغاضى عن ارتباطها الوثيق بتنمية العقل.
ماريا منتسوري – العقل المستوعب

ولكي نعطي لكلِ مكانه الصحيح فيجب أن يتم التنسيق بين حركة الطفل وعقله، فنمو المهارة العقلية للطفل يجب أن تتماشى مع نمو المهارة الجسدية ولذلك عندما قسمت ماريا منتسوري مستويات التطور الأربعة فنجد أن المرحلة الأولى وهي مرحلة الطفولة المبكرة تعتمد على نمو الاستقلال الجسدي، فالطفل يحتاج إلى الكثير من الحركة للعضلات الكبيرة والدقيقة في هذه المرحلة ليتمكن من أداء وإتقان المهارات العقلية المختلفة عن طريق التحكم في الجسد، فالعقل يفكر أولاَ ثم تأتي ترجمة هذا التفكير إلى تعبيرات وحركات جسدية.
إذًا فالطفل الذي لا يتحرك هو طفل لا يفكر والعكس.
ولكي نوازن بين احتياج الأطفال للحركة الدائمة في مرحلة الطفولة المبكرة وبقدرتنا كآباء على الالتزام بمهام حياتنا اليومية، فيجب علينا الإلمام ببعض الانقاط التي سوف تجعل الأمر أكثر سلاسة بيننا وبين أطفالنا:
التقبل والتفهم
فالمرحلة الأولى التي سوف تساعدنا وتساعد أطفالنا هي تقبل احتياجهم شبه الدائم للحركة، وتفهم أنهم لن يستطيعوا الجلوس صامتين أو ساكنين فأجسادهم تخبرهم وتطالبهم بالحركة، وهذا دليل على نموهم العقلي بشكل سليم، فكلما تقبلنا ذلك الاحتياج وتفهمناه فإننا سوف نساعد أنفسنا ونساعدهم على تفريغ تلك الطاقة الحركية بشكل سليم.

وقت خاص للانطلاق
لكي يتمكن الطفل من الحركة بحرية فإنه يحتاج إلى مساحات واسعة لينطلق فيها وتلك المساحات لا تكون أبداَ بالتسوق في المولات أو الزيارات العائلية ولكن لابد من توفير وقت مخصص للطفل للانطلاق في أماكن مفتوحة يستطيع أن يفرغ بها طاقته الجسدية، ويمكن الاعتماد في ذلك على الحدائق العامة أو النوادي والأماكن المخصصة لألعاب الأطفال الحركية. فيمكنه ركوب الدراجة أو الجري على ألا يقل ذلك عن مرتين أسبوعيًا ويفضل أن يكون بشكل يومي إن أمكن خلال مرحلة الطفولة المبكرة.
التدريبات الرياضية
التحاق الطفل ببرنامج خاص بالتدريبات الرياضية حيث يمارس نوعًا من أنواع الرياضة بشكل ثابت يساعد على تفريغ طاقته الحركية، ولكن يجب الحرص على أن ينتقي الطفل نوع الرياضة المناسبة له ولا يجب إجبار الطفل على نوع معين من الرياضة لأن ذلك لن يساعده بل سيزيد الأمور تعقيدًا، فيجب الابتعاد عن أنواع الرياضات التي تسبب الألم الشديد أو نوع المدرب الذي يجبر الطفل على أداء حركات لا تناسب قدراته الجسدية وتسبب له الألم، لأن ذلك الألم يرتبط بممارسة الرياضة، ويجعل الطفل أبعد ما يكون عن الالتزام بتلك العادة الصحية.
توفير بعض البدائل المنزلية
جميعنا كآباء نعلم أننا لا نستطيع الالتزام بالخروج يوميًا بالطفل للانطلاق خارج المنزل، ولكن يمكننا توفير بعض البدائل المنزلية التي تساعده على تفريغ تلك الطاقة دون أن تنهار أعصابنا من الصراخ المستمر أو الحركات العشوائية في المنزل:
استخدام وقت الشاشة في عمل تمرينات منزلية
فيمكن للطفل مشاهدة فيديو مخصص للأطفال به بعض التمرينات الحركية ويقوم بأداء تلك الحركات أثناء المشاهدة والإنترنت مليء بمثل هذه الفيديوهات يمكن البحث عنها من خلال محركات البحث. فالفيديوهات التفاعلية – التي تجعل الطفل يشارك في الحركة – تقلل من مشاكل وقت الشاشة وتأثيرها السلبي على عقل الطفل.

استخدام كروت الحركة
يمكن تحميل بعض الكروت الحركية من خلال الإنترنت وعرضها على الطفل ومطالبته بتقليد تلك الحركات، ويمكن تعليقها على حائط بالترتيب وتغيير هذا الترتيب كل فترة حتى لا يشعر الطفل بالملل ويمكننا توجيه الطفل إلى أداء هذه الحركات عندما نشعر بأنه يحتاج إلى الحركة.

المساعدة في الأعمال المنزلية
نستطيع تدريب الطفل على أن يكون له دور في المنزل – على حسب العمر – فيقوم مثلا بالكنس أو المسح أو تنظيم الأشياء وترتيبها، تقطيع الخضروات، غسيل الأطباق، الخبز والعجن الخ ويمكن الاستفادة من أنشطة ركن الحياة العملية في نهج المنتسوري لمساعدة الطفل على الحركة المستمرة في المنزل.


ألعاب حركية في المنزل
يمكن أيضا توفير بعض الألعاب الحركية في المنزل- حسب المساحة المتاحه – فهناك العاب مثل « الترامبولين» أو ألواح التوازن، قذف الكرة، ركن خاص لصندوق الرمل الخ من الألعاب التي يمكننا توفير مساحه مخصصه لها داخل المنزل والتي تساعد الطفل على أن يحرك جسده ويديه بشكل دائم فلا يلجأ «للزن» أو الـ« الهيبرة» كحل بديل للحركة.
لكي نساعد أطفالنا على النمو السليم ولكي يساعدونا على تربيتهم تربية سوية لا بد أن نصل معًا إلى تلك المرحلة من التوازن بين توقعاتنا وقدراتهم، فكيف لنا أن نتوقع منهم ذكاء أعلى أو أداء أفضل ونحن لا نستطيع تفهم أو إشباع احتياجهم للحركة لكي يحدث النمو العقلي الذي يؤدي في النهاية إلى تطور المهارات، فمهارات الطفل العقلية لن تتطور بالجلوس ساكنًا والتأمل فيما يدور حوله، ولن يفعل الطفل ذلك مهما حاولنا، لا بد أن يتحرك هنا وهناك ويجرب هذا وذاك فيخطئ تارة ويصيب أخرى، فالتجربة التي تصاحب الحركة تقود الطفل في النهاية إلى التعلم بشكل مثالي.