«آسف» ليست اعتذارًا: كيف تعلّم طفلك الاعتذار بطريقة صحيحة؟

طفل يعتذر

من ارتكب خطأ ولم يحاول إصلاحه، فقد ارتكب خطأ آخر.


كونفوشيوس

عندما يُخطئ أحد في حقوقنا، أو عندما نخطئ نحن في حق أحدهم، سنجد ردود أفعال مختلفة بين شخص وآخر تجاه الأخطاء، فهناك من لا يريد الاعتراف بخطئه من البداية، بل يلقي اللوم على الآخرين، وهناك من يعترف في داخله لكنه لا يمتلك الشجاعة كي يقر به، وهناك من يعترف بالخطأ ولا يبحث عن كيفية إصلاحه فيكتفي بقول «آسف»، وآخر من يمتلك الشجاعة الكافية للاعتذار، ويبادر للإصلاح، ويبحث عن رضا الشخص الذي أخطأ في حقه، وهذا النوع الأخير فقط من يتمتع بعلاقات اجتماعية رائعة وطيبة، مما يجعله مقبولاً لدى جميع من حوله، وعلى صعيد الوالدين فهم دومًا في سعي كي يجدوا لأبنائهم مكانًا بين هذا النوع الأخير من التعاملات الجيدة، ويزرعون روح الشجاعة فيهم للاعتذار، فنجد بعض الأمهات يجبرن أطفالهن على قول «آسف» عندما يخطئون، ويشعرن بالحرج الشديد عندما يرفضون الاعتذار، فكيف للوالدين تدريب أطفالهما على مهارة الاعتذار، وهل كلمة «آسف» وحدها كافية، وكيف يمكن تدريب الطفل للتعامل مع أخطائه؟

في بعض الأحيان، أسف الطفل لا قيمة له

عندما تصبح «آسف» كلمة الإسعافات لكل خطأ يرتكبه طفلك كبيرًا كان أو صغيرًا، فلن يشعر بعدها بالأسف تجاه ما ارتكبه في حق الآخرين، لأنه تم توجيهه لكي ينطق بها، وعلى وجه آخر ستفقد الكلمة معناها بتكرارها مرارًا وتكرارًا، فعندما تتحدث مع طفلك عما صدر منه سيخبرك «أنا قولت آسف خلاص»، وكأنها كلمة سحرية كفيلة بكل الإصلاح المطلوب بعد ارتكاب الأخطاء، وهناك بعض الأطفال يرفضون الاعتذار نهائيًا، وهنا لا يعرف الآباء ماذا يمكنهم فعله؟

  1. فيجب على الآباء ألا يصروا على الاعتذار، خصوصًا لو لم يعرف من المخطئ، فيمكن للأطفال الاعتذار كل منهم للآخر، فليس شرطًا أن يخطئ كي يعتذر، وليس شرطًا أن من يعتذر هو الشخص السيئ، فمجرد نهرهم بعضهم بعضًا واختلافهم بطريقة غير صحيحة تحتاج اعتذارهم من بعضهم البعض، وبذلك كان المربي على حياد.
  2. يجب الأخذ في الاعتبار كما ذكرت الأبحاث أن تخبر طفلك أن الاعتذار يجعل صديقك يشعر بحال أفضل، فيمكنك أن تلعب معه مرة أخرى، وأن يتعامل معك بشكل أفضل المرة المقبلة، وليس الاعتذار فقط كي يخرج من مأزق المشكلة، لكن الشعور بالندم من المخطئ يطيب الخاطر ويعيد الثقة مرة أخري وينهي الموقف دون تراكمات أو آثار بعد ذلك.
  3. يجب على الوالدين الاعتذار من طفلهما عندما يخطئان في حقه كي يتعلم كيفية الاعتذار.
  4. قدر قيمة الاعتراف بالخطأ في حد ذاته أكثر، مما يعلّمه المرونة والصدق، فشجع طفلك وامدح سلوكه واحترامه ذاته وشجاعته في قول الحقيقة، ونمِ لديه قيمة الصدق.
  5. يفضل عدم بناء توقعات عالية ليفعلها طفلك المخطئ، فالأطفال لا يشعرون بالأسف دائمًا على الأفعال التي نعتقد نحن أنها تستحق الاعتذار، فاختر التوجيه في المواقف اللازمة فقط.
  6. يمكن للمربي أن يعطي خيارًا لطفله، هل تعتذر أنت وحدك أم تحتاجني أن أقولها معك وأساعدك؟
  7. يجب أن تتحدث مع طفلك، واعرض عليه بعض أسئلة الفضول كي يفكر فيما حدث مثل: «كيف يشعر الطفل الآخر الآن بعد ما حدث؟» «ماذا يجب علينا فعله عندما نجرح مشاعر أحد؟» «هل تتذكر عندما فعل صديقك كذا … واعتذر منك؟ هل شعرت بشعور أفضل حينها؟» «كيف يمكننا أن نحل هذه المشكلة بدون الشعور بالذنب؟»  وما إلى ذلك من الأسئلة التي تجعله يفكر فيما حدث وتجعله يتصرف أفضل المرات المقبلة.

هل انتظار اعتذار الطفل تهذيب أم إيذاء؟

كلما تعلم الطفل الاعتذار في صغر عمره، تصبح هذه العادة تلقائيًا مع مرور الوقت مما يجعله مهتمًا بمشاعر من حوله وبالتالي محبوبًا من الجميع. لكنه في الواقع الكثير من الآباء والأمهات يستخدمون هذا المنظور بطريقة خاطئة، فيجبرون أطفالهم على الاعتذار منذ نعومة أظافرهم عند الخطأ، فنجد أن الطفل الذي بدأ يتمتم بكلماته الأولى مطالب بالاعتذار وقل «آسف» عندما يخطئ وتبرر الأمهات هذا الضغط كي يتعلم الاعتذار، لكن الخبراء والباحثين يرون أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة، وفي عمر الطفولة المبكرة لا يفهمون معنى كلمة «آسف»، ووجدوا أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 5 و6 سنوات لا يستطيعون ربط الاعتذار بالغفران أو التسامح، لكنهم بالطبع يفهمون التجاوزات في حقوقهم، ولكن يمكنهم النسيان بمجرد أن يشعروا بأن من أخطأ تألم لألمهم وأحس بشعورهم، ويتدرج الفهم ويتم تدعيمه بعد ذلك في سنوات الدراسة (التي تبدأ من 7 سنوات)، ومن الجدير بالذكر أنهم وجدوا الأطفال في عمر 2-3 سنوات يشعرون بالذنب تلقائيًا أن تسببوا في ضرر ولا يجدون الحرج من الاعتراف، لكن الإجبار من قبل الراشدين بعد ذلك هو ما يخلف تلك الطبيعة البشرية. حتى وبعد فهم الطفل ووصوله السن الملائمة للاعتذار، فماذا تجدي كلمه «آسف» المجبر عليها الطفل دون شعوره بأي ذنب تجاه ما ارتكبه ولا إحساسه بالأسف الحقيقي تجاهه، فحينها سيقولها فقط للهروب من الموقف، وهو ليس صادقًا في معناها، عندما نجبر الطفل على الاعتذار، فإنه يتعلم أنه بحاجه فقط لتصحيح الموقف، ولا يتعلمون أن سلوكياتهم تؤثر على الآخرين ولن يتعلموا تحمل مسئولية أفعالهم.

هذا بجانب إيذاء الطفل نفسيًا عند التعرض للإجبار، فقد يشعر أنه مظلوم ومغلوب على أمره خصوصًا عندما تكن المشكلة بينه وبين من يكبره بأعوام كثيرة، لكن الأفضل من كل هذا هو النقاش كي يتقمصّ الطفل شخصية المسيئ إليه ويحاول أن يشعر بشعوره وحينها يستطيع اتخاذ قرار الاعتذار بنفسه، وكل هذا يحتاج سنوات من تنمية هذه المهارة لديه كي تتطور، ويتمكن من الإحساس بشعور الآخرين الذين يتعرضون للأذى من قبله دون إيذائه هو بإجباره على الاعتذار مما يجعله يعود لينتقم ويؤذي غيره مرات ومرات.

المسامحة في مقابل الاعتذار

عندما تعتذرين لطفلك عما صدر منك هل حتمًا سيسامحك؟ الإجابة ستكون بالطبع نعم، لكنه أحيانًا يتبقى في داخله بعض الغصة والضيق، وهذا يمكن رؤيته بشكل أوضح تجاه اعتذار من في عمر طفلك وحينها تخبرينه بفوائد التسامح، وأن المسامح كريم، وهو عند الله أفضل لأنه يتميز بنقاء القلب، ولكنه ليس فقط الغفران هو شجاعة، وليس ضعفًا، بل ثبت علميًا أن التسامح بعد الاعتذار يؤثر عاطفيًا ونفسيًا على المتسامح نفسه بشكل أفضل بدنيًا، مما يجعل شعوره بالراحة يسري على جميع أجهزته الداخلية وخلايا مخه، حيث إنه يقلل من القلق والغضب ويزيد من تقدير الذات، فالمغفرة تحرير نفسك من العواطف المدمرة والأحداث المؤلمة، فالأمر لا يتعلق بالجاني بل يتعلق بنفسك، فيمكنك أن تغفر للمعتدي دون التغاضي عن الإساءة وهذا هو قمة تقدير الذات وشجاعة الخُلق.

ما الذي يؤدي له اعتذار الطفل؟

  • الهدف الأساسي من تعليم الأطفال الاعتذار هو أن يعي أنه فعل شيء خاطئ كي يعتذر، وأن يختار طريقًا آخر ليقوم بعمله دون أن يجرح أحدًا، معظم الأطفال يخطئون وتكون ضمائرهم حية، ولكنها ليست قوية بما فيه الكفاية للتحكم وإرشادهم للسلوك السليم، كما يجب تعليم الأطفال متى يجب عليهم الاعتذار وكيفية تكفيره عن إيذائه شخص آخر.
  • عندما يستطيع الاعتذار فهو لن يكتسب مهارة اجتماعية وحسب، بل يتعلم أيضًا كيف يكفّر عن أخطائه ويتحمل مسئولية أفعاله ويتعلم الاهتمام بمشاعر الآخرين، والاهتمام والتركيز على سلوكياته وما قد يجرح مشاعرهم.
  • كما أن هذه المعاني تغرس في عقل طفلك قيمة العدل فكل من يخطئ يتحمل ثمن خطئه، وتعلمه الاعتراف وتحمل مسئولية تصرفاته ولا يلقي اللوم على من حوله، كذاك ترسخ لديه معنى التوبة بعد ذلك عندما يكبر ليعرف كيف يتوب عند اقتراف معصية الخالق – عز وجل- وكيف يتقرب إلى الله حتى يسامحه ويغفر له خطاياه.
  • لا تطلب من طفلك الاعتذار وهو يبكي، بل عليك أن تراعي مشاعره، كما تريد منه مراعاة مشاعر من حوله، والأهم هو التعلم من الموقف كي لا يتكرر.
  • نمِّ في طفلك ثقته بنفسه، فالأخطاء فرص رائعة للتعلم، وليس الاعتذار يعبر عن نقص أو دليل عقاب، وعلّمه أن القوة الحقيقية هو معالجة الخطأ وليس فقط الاعتذار بالكلمات.
  • احذر الغضب المبالغ به ومقابلة الخطأ بإصدار أحكام مهينة ومسيئة لكرامة طفلك، فلا تزرع الخوف في نفسه، وابحث عن عواقب إيجابية تعلمه وتنمي مهاراته.
  • أخبر طفلك أن الاعتذار عن خطأ ما يعني عدم تكرار الخطأ مرة أخرى لأنه من الصعب قبول الاعتذار أكثر من مرة على نفس الخطأ.

ما يجب عليك تجنبه عندما يعتذر الطفل؟

  1. عندما يخطئ طفلك فتجنب أن تجعله يتذلل للطفل الآخر كي يقبل اعتذاره حتى لا تجرح مشاعره، وعلمه أن يفعل ما بوسعه دون خضوع، بل أن يترك مساحة للطرف الآخر كي يفكر في الأمر، وأن يخبره أنه واثق من مسامحته له.
  2. كما أنه يجب عليك ألا تضع طفلك في موقف المتهم وتنهال عليه باللوم والتقطيم على ما ارتكب فساعده كي لا يأخذ موقف دفاعيًا مضادًا.
  3. تجنب اتهام طفلك بشيء لم يفعله ما دمت غير متأكد، ويجب عليك الاعتذار منه إن صدر منك اتهام له.
  4. لا تتحدث عن الأخطاء السابقة التي تم إصلاحها فيما مضى، فيشعر طفلك بالإحباط وأنك تخزن له رصيد أخطاء فيشعر بعدم الجدوى من الإصلاح.
  5. تجنب الإيذاء الجسدي لطفلك بشتى الطرق مهما صدر منه، فالعقاب على الأخطاء له طرق أخرى مفيدة لطفلك ومحترمة لكما معًا، فلا تتعمد إهانة طفلك أو إيذاءه وإن صدر منك ما يؤذيه عن غير عمد فلا تتردد في الاعتذار منه وكن قدوة.

كيف تعلم طفلك الاعتذار في خمس خطوات؟

1. الصدق

علم طفلك أن يصبح صادقًا ليس في الاعتراف بما فعله فقط، إنما الصدق مع نفسه أولًا في شعوره بالذنب والخطأ وصدق مشاعر الاعتذار، بوضع نفسه مكان المسيئ إليه.

2. القدوة

الأطفال تتعلم بالأفعال أكثر كثيرًا من الأقوال، لذلك مهما تحدثت عن قيمة الاعتذار وقيمة التسامح لن يكن أفضل من فعل ذلك بنفسك في المواقف المختلفة.

3. تحمل المسئولية

اترك طفلك يتحمل مسئولية أخطائه واتركه يتصرف بنفسه، ولا تصبح أنت الحامي له، بل اطلب منه التفكير في كيفية إصلاح أخطائه.

4. التخطيط لما بعد ذلك

ركز على استراتيجية الإصلاح وطلب المغفرة ممن أخطأ في حقه، وتحدث مع طفلك بصدر رحب واجعله يسرد لك كل ما في قلبه وعقله دون التعرض للوم منك.

5. تقبل ولا تكن مثاليًا

تقبل من طفلك أفعاله ولا تتوقع المثالية فالجميع يخطئ، والبيئة المثالية ليست بيئة صحية لطفلك، كما ذكرنا في المقال «العالم المثالي بيئة غير تربوية لطفلك»، الأفضل أن تجعله يتعلم من أخطائه.

وهكذا نستطيع أن نتخذ من الأخطاء فرصًا لتعليم طفلك فن الاعتذار وأهميته وأهمية التسامح للطرفين مما يجعله ينمو بشكل سليم نفسيًا وعاطفيًا، لينشأ في جو من السلام والهدوء النفسي وتسري به السكينة والطمأنينة ويعم عليه الحب تجاه أسرته وإخوته وأصدقائه.