حرروا الفراشات: 7 خطوات تعلم طفلك الحرية

أطفال, تربية, الحرية

لا أفهم لم يعاملني ابني بهذه النديّة؟ لم أقصر في حقه يومًا ليصبح ابنًا عاقًا، لا يستشيرني ولا يهتم برأيي، أشعر أن ابني لم يعد ملكي.

قالتها بقلب مفطور تبكي عقوق ابنها الذي قرر الاستقلال بحياته بعدما شارف الثلاثين، لم تكن تضمر سوءًا أو تنوي التحكم في حياته، لكنها توقعت منه نوعًا مختلفًا من بر الوالدين كما تشكل في وعيها منذ الطفولة، فهي لم تناقش والديها في اختياراتهم لحياتها أبدًا، بل لم تشاركهم في اتخاذ قراراتها المصيرية من الأساس، لم تقل يومًا لا أو لماذا، فبالنسبة لمن تعتبر مناقشة الوالدين عقوقًا، الاستقلال عنهم جريمة!

هل قمت بتربية ديدان القز في طفولتك؟ معظمنا مر بهذه التجربة الممتعة، لا أذكر أبدًا أنها تحولت إلى فراشات، كانت غالبًا تموت قبل أن تكمل الشرنقة، إذا كنت محظوظًا ونبتت لفراشاتك أجنحة، هل كانت ستظل حبيسة الوعاء الزجاجي، أم كنت ستحررها وتشاهدها تطير؟

ربما صادفت في طيرانها عصفورًا صغيرًا يتعلم الطيران، تشجعه أمه أن يترك العش معتمدًا على جناحيه الصغيرين ليحلّق بهما دون أن تحاول رفعه ولا حمله على ظهرها والطيران به، فقط تتركه يتعلم كيف يستخدم جناحيه.

هكذا هي الطبيعة، كل كائن حي لا بد له من الاستقلالية، لا يمتلك مخلوق أي مخلوق آخر حتى وإن كان أنجبه، كذلك الإنسان لا يمتلك أبناؤه، هو فقط يرعاهم ويعلمهم ويدعمهم حتى يتعلموا متى يستخدمون أجنحتهم ويحلّقون وحدهم.


كيف تربي طفلًا حرًا؟

توجد عدة تعريفات للحرية، لكن بشكل عام الحرية هي قدرة الشخص على التصرف أو التحدث أو التفكير كما يريد، وكونه حرًا يصعب فصله عن كونه مستقلًا؛ أي متحررًا من أي تحكم خارجي ما يؤهله لاتخاذ قرارات دون ضغط أو تدخل أو شروط.

لتنشيء طفلًا حرًا عليك أن تدعم استقلاليته وتهيئ الظروف المناسبة لممارسة حرية الحركة والتعبير والاختيار والتعلم، بل وحرية ارتكاب الأخطاء أيضًا دون توبيخ أو انتقاد أو تدخل من جانبك، دورك فقط هو المتابعة والدعم وتقديم المساعدة إذا طلبها الطفل، مع وضع الحدود وتحديد المسؤوليات والتأكد من الالتزام بها.

تذكر دائمًا أنك لا تملك حرية طفلك حتى تمنحه أو تمنعه، فالطفل إنسان حر ومستقل عنك، لكن دعمك له يساعده على أن ينشأ مستقلًا، مسؤولًا، واثقًا بنفسه وبالآخرين بأقل قدر من الصراعات والخسائر النفسية.


الحرية والاستقلالية

الهدف من أن يكبر الطفل ليصبح واثقًا ومستقلًا هو مرادف لهدف أن يكبر بعقل سليم.

جون بولبي

يستطيع الطفل أن يعرّف ذاته ككيان منفصل يسعى للاستقلالية في العام الثاني وحتى العام الثالث من حياته، حيث تبدأ مهاراته الحركية واللغوية بالتطور مما يشجعه على اختبار قدراته وحدوده باستمرار، وذلك يفسر صعوبة التعامل مع الأطفال في هذا السن.

في هذه المرحلة يمكن دعم استقلالية الطفل عن طريق السماح له بالاختيار بين بدائل محدودة، والاعتماد على نفسه دون مساعدة ما دام لم يطلبها، يمكن تهيئة بيئة مناسبة بإزالة كل ما قد يعرضه للخطر أو يعوق حرية الحركة.

بين العامين الثالث والخامس يتسم الطفل بالمبادرة واكتشاف مهاراته القيادية ومحاولة اتخاذ القرارات، يجب على الوالدين دعم مبادرة الطفل ورغبته في الاستكشاف والقيادة وعدم فرض حماية مبالغة، أو تعريض الطفل لانتقادات شديدة تؤدي إلى إحساس دائم بالذنب.

بين السادسة والثانية عشرة يبدأ الطفل  في التأثر بآراء الآخرين، ويحاول دائمًا إثبات قدراته لمن حوله، حيث يسعى للإنجاز وإثبات الذات، في هذه المرحلة يجب تشجيع الطفل على تنمية قدراته مع دعم هواياته وتقدير انجازاته، تساعد ممارسة الرياضة على الشعور بالإنجاز والاستحقاق، لكن التقليل من انجازاته قد يؤدي إلى تكون عقدة نقص لديه.


المراهقة وأزمة الهوية

في سن المراهقة أي من الثانية عشرة وحتى الثامنة عشر يبدأ الطفل في البحث عن هويته ويسعى لتحديد دوره في المجتمع، يكوّن صورة ذاتية عن شكله ويمر بفترة عصيبة من البحث عن أهدافه وقيمته في الحياة، في هذه المرحلة الشائكة يجب منح الثقة والدعم وعدم الضغط على الطفل أو محاولة توجيهه لاتجاه لا يتوافق معه، حتى لا يتجه للتمرد وتبني هوية سلبية.

تقديم الدعم والثقة للطفل ليمارس حريته ويتعلم من تجاربه الخاصة و دعم استقلاليته هو وجه آخر للثقة به والإيمان بقدراته، مما ينعكس على ثقته بنفسه وصحته العقلية والنفسية.


مهارة اتخاذ القرار

كلما بدأ تدريب الطفل على مهارة اتخاذ القرار مبكرًا كلما ظهرت أثارها الايجابية على ثقته بنفسه وقدرته على حل المشكلات بشكل أفضل، فكيف ندعم تلك المهارة؟

1. منح الاختيارات دائمًا

بدلًا من أن اختيار لون حذائه أو وجبته التالية نيابة عنه، يمكن تقديم عدة خيارات ليقارن بينها ويقرر بنفسه ماذا سيرتدي أو ماذا سيأكل، مع الأخذ في الاعتبار أن تكون الخيارات متاحة ومحدودة، فالخيارات الكثيرة تشتت الطفل وتجعله مترددًا.

2. شرح الاختيارات المتاحة

يمكن تقديم شرحًا مبسطًا وواضحًا للاختيارات والعواقب، دون توجيه أو ضغط؛ مثلًا: «هذا الحذاء مناسب للعب الكرة لأنه مريح، أما هذا فمناسب للمدرسة».

3. التفكير بصوتٍ عالٍ

نتخذ في حياتنا اليومية مئات القرارات الصغيرة والكبيرة، إشراك الطفل في خطوات اتخاذ بعضها؛ كعرض الاختيارات والمقارنة بينها وذكر أسباب الاختيار بصوت مسموع يدفعه للتعلم بالتقليد.

4. استخدام الخيال

الأطفال يتأثرون بالقصص ويتعلمون من خلالها، يمكن تشجيع الطفل على استخدام خياله لتنمية قدراته على التحليل وحل المشكلات عن طريق رواية قصة أو موقف ثم طرح سؤال «ماذا لو كنت مكان البطل؟

5. احترام اختياره

أيًا كان اختيار الطفل يجب احترامه ودعمه في تنفيذه وعدم انتقاده، يفضل أن تكون الاختيارات مناسبة للوالدين أيضًا من البداية مع مراعاة عدم تعرض الطفل للخطر وعدم تجاوزه للحدود.

6. تحمل المسؤولية

بعد منح الخيارات مع شرح النتائج يأتي دورالطفل ليتحمل نتيجة اختياره، لا يُسمح له بإلقاء اللوم والتهرب من المسؤولية، كذلك لا يمكن توبيخه، يجب مساعدته على تحليل الأسباب والنتائج ليتعلم من الخطأ ومن الصواب أيضًا.

7. اشراكه في القرارات العائلية

حسب سن الطفل يمكن إشراكه في القرارات العائلية، بداية من مكان قضاء الإجازة وحتى الانتقال لبيت جديد، أحيانًا يفاجؤنا الأطفال بآراء مدهشة بخصوص قرارات مصيرية تهم الأسرة.


الحدود والمسؤوليات

هل يعني هذا أن يُمنح الطفل حرية مطلقة دون حدود أو مسؤوليات؟

تبدو الحرية مناقضة للحدود، ولكن العكس؛ وجود حدود واضحة ذات عواقب متوقعة يمنح الطفل الشعور بالأمان لأنه يعرف حدوده ويدرك عواقب عدم احترامها، لا مفاجآت ولا ردود أفعال غير متوقعة ولا تهرب من المسؤولية.

يجب وضع حدود تلزم الطفل باحترام ذاته والآخرين واحترام بيئته، مع شرحها له بلغة مبسطة ليفهم أسبابها وعواقب عدم اتباعها، الأطفال الأكبر سنًا يمكنهم المشاركة في وضع الحدود واختيار العواقب والالتزام بها.

دعم استقلالية الطفل واعتماده على نفسه في ظل قواعد محددة مسبقًا يتيح له الفرصة للتعلم عن طريق التجربة والخطأ وتحمل نتائج اختياراته، كما يعزز لديه الشعور بالمسؤولية واحترام الحدود، وينمي الانضباط الداخلي دون احتياج دائم للتوجيه والعقاب.

تقول ماريا مونتيسوري:

فلنترك الحياة تتطور داخل حدود الخير، ولنراقب هذه الحياة الداخلية وهي تتطور، هذه هي مهمتنا.

الطفل الحر المستقل يصبح بالغًا مستقًلا ومسؤولًا، أهلًا للثقة ويعتمد عليه، يتخذ القرارات بموضوعية ويعترف بأخطائه متحملًا العواقب ومحاولًا الإصلاح، وكم نحتاج لمثل هؤلاء، لكن تربية طفل مستقل تتطلب بالضرورة مُربيًا نشأ مستقلًا بالأساس، أو على الأقل يحاول كسر الدائرة المغلقة لتوريث الاعتمادية وعدم تحمل المسؤولية، يتخذ القرارات على أسس صحيحة، ولا يتأثر بأحكام الآخرين وقيود المجتمع، يدرك أنه لكي يحرر الفراشات عليه أن يكون خارج الوعاء الزجاجي.