أصبح الـ«إنترفيو» تأشيرة الدخول عبر بوابات المدارس الخاصة والدولية والمدارس الرسمية للغات التي تسمى (ناشونال) و (إنترناشونال).. فقبل أن تنتشر موضة الإنترفيو كان أولياء الأمور هم من يختارون المدارس وفقًا لمعاييرهم، لتنقلب الآية في هذا العصر رأسًا على عقب لتصبح الأولياء والأطفال هم من يخضعون لفحص وفلترة من قِبل المدرسة لكي تحدد ما إن أوفوا شروطها أم لا؟! فنبدأ رحلة العذاب لحصول الطفل علي القبول وتبدأ رحلة الشقاء لأولياء الأمور لكي يبحثوا عن «واسطة» كي يقبلوا طفلهم في كي جي 1 أو حتى «بيبي كلاس»!
أسئلة تعجيزية
هل سافرت بره مصر؟ بتقضوا الويك إند فين؟ بتصيفوا فين؟ عندكم كام عربية؟ مشتركين في كام نادي؟
هذه الأسئلة بمصطلحاتها تطرح على أولياء الأمور في الإنترفيو، مما يظهر مأساة العنصرية والطبقية، والتي تفوق الدهشة والتعجب، فماذا يؤثر كل هذا في العملية التعليمية للطفل، هل سيدخل المدرسة أم يقدم على وظيفة؟ أم أنه يتقدم لطلب عروس مثلًا؟ نتفهم جيدًا السؤال عن المؤهل الدراسي أو مكان السكن أو كيفية عقاب الطفل عند الخطأ، فكل هذا يؤثر على الطفل دراسيًا ونفسيًا وبالتالي سلوكيًا، لكن هذه النوعية من الأسئلة التي أشيع حدوثها، كأن يتم رفض أم بسبب كونها single mother (مطلقة)، مدعين أن الطفل سيكون سلوكه غير سوي ومتأثر نفسيًا، فكيف قاموا بالحكم والجلد دون التحدث مع الطفل نفسه؟! حيث أصبحت مقابلات المدارس تهدف في أغلب المدارس إلى تحديد المستوى الاجتماعي للأسرة وليس مستوى الطفل.
خطف الطفل للإنترفيو!
ننتقل من تعجيز الأولياء لإخفاق الأبناء، فاقتياد الطفل من بين والديه ليذهب مع شخص غريب يراه للمرة الأولى، وارد ألا يتقبله الطفل نفسيًا بلا سبب – وهذا حق له – مما يتوقع معه أن يؤثر على نفسيته، ثم أضف وضعه في مكان غريب يراه للمرة الأولى، والأسئلة التي تنهال على طفل الثالثة من هذا الغريب في ذلك المكان الغريب، لا يمكن اعتبار ذلك أمرًا عاديًا مقبولًا، فما الذي يريده الإنترفيو من الطفل؟
الألوان والأشكال وأعضاء جسمه وجميع الأحرف والأرقام العربية والإنجليزية، بل وأيضًا يكتب اسمه بمفرده، كنا نظن من الطبيعي أن يدخل الطفل المدرسة ليتعلم وليس أن تطلب منه المدرسة أن يأتي لها متعلمًا بشكل سابق!
ليست المعارف والمعلومات هي غرض الإنترفيو فقط، فربما يتم رفض طفلك لأنه رفض التحدث لهذا الغريب، أو لأنه لم يشأ الجلوس أمامه في هذا المكان الغريب فحاول الحركة، أو لأنه بكى خوفًا من كل ما يحدث حوله
ربما ينتظر الإنترفيو من طفل الثلاثة سنوات أن يجلس متزنًا متملكًا رباطة جأشه ويجلس معتدلًا على الكرسي وينصت جيدًا لحديث شخص ما ويتبادله أطراف الحديث مع ارتشاف قهوته التي على الطاولة!
تعرف إيه عن المنطق؟
تتجاوز الاختبارات لقبول الطفل الذي تم فطامه منذ شهور عدة، كونها اختبارات موجهه لأطفال طبيعيين إلى موجهة لأطفال ذي قدرات خارقة وخارجة عن المألوف مع عدم وضع اعتبار لظروف كل طفل على حدة، وبعد كل هذا العناء يتم رفض الطفل مما يشعر الأهل بالإحباط والفشل وتأنيب الضمير عندما لا يتجاوز طفلهم 98% من كل هذا الهراء ويصبح موصوم بالفشل والسقوط وهو لم يفهم شيء بعد، مما يتسرب إلى الطفل بلوم من حوله له، وكذلك عدم رغبته في التعلم أو الالتحاق بأي مؤسسه تعليمية ما دام هو منبوذًا من البداية.
ليخرج الوالدان من هذه التجربة السيئة بمفهوم واحد: هما ليسا جيدين في تعليم طفلهما، وتبدأ رحلتهما في مسارين أسوأ من بعضهما، جلد الذات، والضغط الكبير على الطفل لتعويض ما رأته المدرسة سببًا لرفض التحاقه بها.
فلماذا بدلًا من ذلك لا يتساءل الأبوان ما هو دور المدرسة في حياة طفلهما؟ لماذا لا تحدد كل مدرسة شروطها التي ترغبها في طلابها وذويهم منذ البداية وإن كانت هذه الشروط متوفرة يتم التقديم دون أن تخضع الأسرة لكل هذا الكم من الضغط العصبي والنفسي حتى لا يسقطوا فريسة للشعور بالفشل والإحباط؟
اعرف حقك وتمسك به
قبل خضوع أولياء الأمور لكل هذه التجربة يجب أن ينتبهوا لحقوقهم منذ بداية ملء استمارة التقدم:
- من غير القانوني عدم حصولك على مصروفات ملء هذه الاستمارة لو تم رفضك بعد ذلك.
- إن تم قبولك يصبح هذا المبلغ جزءًا من مصروفات المدرسة كما ذكرت وزارة التربية والتعليم، ضرورة الحصول على الوصل كي يثبت دفع ولي الأمر المبلغ للمدرسة حتى يتسنى لها محاسبة المدرسة وإرجاع المبلغ المدفوع
- من حقك معرفة كيفية تدريب المعلمين في هذه المدرسة؟
- كيف يتم التعامل مع الطلاب عند الخطأ؟
- كيف يعدّون طفلك لما يتناسب مع المهارات اللازم اكتسابها وفقًا لعمره؟
فلا تتهاون في مكان سيقضي طفلك به معظم وقته وسيتعلم به الكثير ولا تتهاون في حق نفسك ولا حق طفلك ولا تتأثر بالإخفاق أبدًا فأجل المكسب دائمًا لطفلك واسعَ خلفه.
في أوروبا والدول المتقدمة …
التقديمات للمدارس في أوروبا وشرق آسيا تبدأ من سن 7 أعوام حتى يستطيع الطفل الجلوس في فصل دراسي مجهز بكل ما يدعوه للتركيز في مدرسة حكومية – دون مصروفات- ويتم التقديم لها حسب منطقة الطفل السكنية ولا يشترط أي شيء آخر فقط الالتزام ، وقبل هذه السن يذهب الطفل للحضانات (الحكومية أيضًا) ليتعلم كل شيء عن طريق اللعب دون التعلم الأكاديمي المعروف، ولذلك مع نهاية السنة الأولى للطفل في المدرسة عند سن 8 أعوام يتمكن من الكتابة والقراءة بشكل جيد لما اكتسبه من خبرة وتمرس خلال أعوام لعبه في المرحلة السابقة.
فمثلاً عند تسليط الضوء على تجربة دولة صغيرة في شمال أوروبا «فنلندا» فهي تجري لطلابها اختبارات دولية تحت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية كل ثلاث سنوات للتأكد من أداء الطلاب في العلوم والقراءة والرياضيات، ومن الجدير بالذكر هو صعوبة جعل أحدهم معلماً، فمن بين كل 10 متقدمين يتم قبول شخص واحد فقط ولا يمكن أن يحمل المعلم هناك درجة علمية أقل من الماجستير لذلك هناك حجم كبير من الثقة والاحترام يحظى بها «المعلم»، وهذا لم يحدث فجأة بل في عام 1979 اتخذت الحكومة الفنلندية قرارًا حاسمًا بمطالبة المعلمين بالحصول على درجة الماجستير من واحدة من ثماني جامعات حكومية على نفقة الدولة، مما أدى إلى صعودها على القمة والنهوض بالدولة فهي لم تولد على القمة. فهناك يعملون على خلق بيئة تعليمية جيدة تدعم الابتكار وتجنب خلق بيئة تنافسية بين الطلاب فلا يتم ترتيب المدارس ضد بعضها، ولا يتم التقليل من قدر وقيمة المعلم ولا يقع الطلاب تحت ضغط مكثف من أجل الالتحاق بالكلية التي يريدها، فأين نحن من كل هذا؟