الاحترام أم التخويف؟ كيف نربي أطفالا أسوياء

طفل يتعلم الأخلاق

في الماضي كان المعلم يعنفك؛ حيث كنا نجلس مكاننا بدون فعل أي شيء ثم نقول صباح الخير أيها المعلم فينظر إلى ويقول: «أنت تعال»، فأمشي إليه فيصفعني ثم يقول: «عد»، بدون سببالمذيع: «وهل هذا جيد؟» جاكي: «أجل جيد!» (أجاب بشكل أثار تعجب المذيع) ثم استطرد: هذا ليس جيدا بالنسبة للغربيين لكن بالنسبة لي ولفريقي (يقصد زملاء المهنة الصينين) كان معلمونا أشداء للغاية ولهذا نحن شديدي الانضباط في عملنا وفي منازلنا.

«جاكي شان» في أمسية بإحدى برامج التوك شو


هل «جاكي» على حق!

ما قاله السنيمائي الشهير عندما تحدث عما تربي عليه من قبل معلميه على الانضباط والاحترام وفاعلية الضرب والتعنيف في تهذيب وتقويم النشأ؛ كتعبير عن انحدار الأجيال التالية التي سيطرت عليها حالة من الجراءة الزائد والتي تصل أحيانا للإساءة للكبار وعدم تقديم الاحترام والتقدير الذي يستحقونه، ليعيد تلك المسألة: هل التربية بالخوف هي سبيل الحصول على نتائج مثمرة مع الصغار أم أن هناك أساليب أخري ناجحة أقل ضرارا من التربية بالخوف؟


بين الماضي والحاضر

بالإضافة إلي أن هناك مشكلة تظهر أمام المربي بين ما تربي عليه قديمًا وما تقتضيه البيئة الآن، فهناك عوامل من حولنا تغيرت لا يجوز أن يهملها المربي في العملية التربوية، على سبيل المثال، الميديا ووسائل التواصل الاجتماعي التي باتت مربيا متداخلا فاعلا بقوة في العملية التربوية، فلم تعد مثلا أنماط التربية التي كانت تصلح قديما في نموذج الأسرة الممتدة -كبيرة العدد- تعطي نفس النتائج مع تشظي الأسر لنموذج الأسرة صغيرة العدد، والتي تدخل فيها عوامل اجتماعية أخري غير العوامل القديمة المؤثرة، الأقارب على سبيل المثال؛ كانوا يشكلون ركنًا مؤثرا فيما مضي في التربية وكانت التربية تتهيأ لتناسب الكثير من رؤاهم وأساليب تربيتهم المقارنة كذلك، إلا أن ذلك لم يعد يحدث الآن مثلما كان، ففرصة الاطلاع على الثقافات الأخرى التي تتبع أساليب أكثر تحررا في التربية وتدعم الاستقلالية؛ صارت متاحة في عصر التواصل الرقمي سريع الوتيرة.

ليضع ذلك كل أساليب التربية التقليدية على المحك لتطرح عليها أسئلة وجودية هل كانت أساليب التنشئة تلك هي بالفعل صحية وأننا نعيش عصر تميعت فيه أساليب التربية وضعفت فيه مهارة المربي أم أن تلك الأساليب كانت خطائه ووجدت البيئة الاستثنائية المعممة التي أعطت نتائج غير سوية؟


الاحترام أو التخويف.. أيهما نقصد؟

في الحقيقة علينا التميز بين الحد الفاصل بين التنشئة بالخوف وعملية التهذيب لسلوك الطفل واكسابه معاني الاحترام على مستوي الفهم والممارسة من خلال التقليد والتعزيز السلوكي وتكرار الممارسة، ويمكننا القول إن هناك خلطا بين كلا المعنين فكثيرا ما يستخدم التخويف في سياق زرع الاحترام في نفوس الأطفال دون دراية بالفارق بينهما، فالاحترام النابع من الخوف قد يكون تقديرا للسلطة أو القوة لا اكثر أو غطاء للحصول على منفعة آنية، ويأتي ضمن أساليب التخويف التعنيف أو العقوبة البدنية وهي «استخدام القوة الجسدية بقصد التسبب في تعرض الطفل لألم جسدي أو انزعاج من أجل تصحيح سلوك الطفل أو معاقبة ذلك» وهنا تحديدا نقصد الخضوع للسلطة أو القوة عبر التعنيف؛ فالتعنيف البدني أو اللفظي لا يربي على احترام حقيقي نباع عن قناعة أخلاقية بضرورة تبجيل وتقدير الكبار بل يكون مجرد خضوع لتلك السلطة التي تمارس عليه والقوة التي لا يستطيع مجابهتاها، فأسلوب التعنيف له آثار سلبية بعيدة المدي يمكن أن تقدم نتائج سريعة لكن مع تقدم العمر وخاصة في سن المراهقة والتي تمثل فترة الفوران والعنفوان لدي الفتية فإن آثار التخويف والتعنيف على سلوك الأبناء ستبدأ بالظهور تباعا؛ وهنا نجيب عن تساؤل قد يظهر وهو «لماذا جاكي ليس على حق؟» الجواب يتمثل في تلك الآثار السلبية للتعنيف البدن كطريق لتعزيز التأدب والاحترام في سلوك الطفل:

  1. 1. يقوض الثقة بين الآباء والأبناء. وهم -أي الأبناء- أكثر عرضة للتراجع عن العلاقة وبناء درع الحماية الذاتية حول أنفسهم من حيث العلاقات بشكل عام. ويمكن للأطفال أن يتعلموا عدم الثقة في دوافع الآخرين وأن يصبحوا أكثر عرضة للتهديد في المواقف الاجتماعية. يمكن أن يؤدي إلى توقعات عدوانية – فهم مستعدون للعدوان أولاً قبل أن يتعرضوا للعدوان.
  2. عدم الامتثال على المدى القصير، وعدم الامتثال على المدى الطويل، فقد أكدت بعض الدراسات أن الامتثال للأوامر نتيجة التعنيف البدي، تقل استجابته على المدى الطويل، فالضرب يصبح غير فعال لتغيير السلوك على المدى نظرًا لقابلية الطفل للتكيف والتعود مع الألم.
  3. ارتباط العقاب البدني بعدد من الأمراض النفسية والعلل الاجتماعية.
  4. التعنيف البدني يزيد من عدوانية الأطفال بغض النظر عن خلفية الطفل أو ثقافة المجتمع وتأقلم الطفل مع أشكال العنف الأخرى.
  5. الاندفاع وسوء العلاقات الأسرية.
  6. ضعف القدرات العقلية.
  7.  زيادة معدلات الإصابة بالاكتئاب.

كيف تقوّم سلوك طفلك؟

وفقا لـ«جمعية علم النفس الأمريكية APA» في بيانها (المعدل 2017) حول بدائل للعقاب البدني في تقويم السلوك بما فيها احترام الآخرين:

  1. التحدث والاستماع: واحدة من أكثر الطرق المفيدة لتحقيق نمو الطفل السليم هو تشجيع استخدام الكلمات بدلا من الأفعال. إن زيادة قدرة الطفل على وضع الكلمات على المشاعر والأفعال يؤدي إلى زيادة تنظيم التوتر والوعي الذاتي، واتخاذ القرار المدروس. ويتم إنجاز هذه العملية من خلال: التحدث واستخدام الكلمات بدلاً من الأفعال والتحدث بدلاً من الضرب؛ تحدث مع الطفل عن السلوكيات المقبولة أو غير المقبولة الاستماع إلى الطفل، ما هو آمن أو خطر، ولماذا.
  2. تسمية المشاعر: ساعد الطفل على تسمية مشاعره أو كلماتها مع الكلمات في أقرب وقت ممكن. مشاعر مثل الاهتمام، والتمتع، والمفاجأة، والضيق، والغضب، والخوف، والعار، والاشمئزاز يجب أن يكون المسمى بالكلمات. هذا يسهل تنظيم التوتر ويساعد على الانتقال إلى طرق أكثر نضجا للتعامل مع العاطفة.
  3. التعزيز الإيجابي: ستعزز المكافآت والمديح احترام الطفل لذاته عندما يتم استيفاء المعايير المناسبة. التعزيز الإيجابي هو أكثر فعالية في الحصول على الامتثال السلوكي طويل الأجل من العقوبات التي تثير مشاعر الخوف والعار.
  4. التعليم بالقدوة: قدم مثالًا جيدًا للطفل؛ فالطفل يريد أن يكون مثل والديه فالتقليد طريقه الأول للتعلم، وسوف يضعون المشاعر والأفعال في الكلمات عندما يرون والديهم يفعلون ذلك.
  5. تخفيف المشاغل والأعباء: الآباء بحاجة إلى رعاية لأنفسهم، وإن الوالد المنهك أو المثقل بالأعباء أو المجهد هو أقل صبورة وأقل قدرة على وضع استراتيجيات وأساليب فعالة غير بدنية للتأديب.

يمكننا الجزم بتلك القاعدة الذهبية  «الأطفال يشاهدون…الأطفال يتعلمون» حيث أن مشاهدات الأطفال تمثل الجزء الأكبر من العوامل التي تؤثر في سلوكهم؛ فتصبح أفعالنا هي أفعالهم؛ فما نحتاجه حقاً لتعزيز سلوك الاحترام هو تكثيف الحوار والمشاهدات التي يتعرضون لها في دون ممارسة سلطة القهر والتعنيف فالأبناء يتعلمون بمراقبة الكبار أكثر مما يتعلمون بالإنصات لما يقوله الكبار، وهذا يعزز فهمهم أكثر حول الاحترام والتقدير حتي لا تكون ممارسة وهمية ما تلبث أن تنتهي مع امتلاك الاستقلالية والقدرة على تحدي السلطة الأبوية.