هؤلاء يربون طفلك بدلًا منك: كيف تتعامل معهم؟

طفل، آباء، تربية

لم تكن التربية أبدًا مهمة سهلة، ولكنها تزداد صعوبة بمرور الزمن، فمنذ خمسين عامًا كانت مسؤوليات الوالدين تقتصر على توفير الطعام والكساء بالإضافة إلى التعليم والرعاية الصحية والتأكد بكل الطرق السلمية وغير السلمية من التزام الأطفال بالسلوك المهذب واحترامهم لهيبة والديهم، ولكن التطور السريع وثورة نظريات التربية في العقود الأخيرة مع سهولة تداول المعلومات عوامل أضافت مسئوليات جديدة أكثر تعقيدًا اضطررنا معها إلى القيام بدور الأب والأم والمعلم والطبيب النفسي وأخصائي التخاطب وتعديل السلوك والاطلاع باستمرار على مستجدات علم النفس والتربية.

كبهلوان يحاول التقاط الكرات من الهواء نحاول الخوض في معارك الحياة بينما نحافظ على توازننا ونحن نفكر في أدق التفاصيل لنتمكن من اختيار النظام التعليمي الأفضل والحل الأمثل لتقويم بعض السلوكيات أو تطوير مهارة ما أو حتى اختيار الطعام الصحي والأنشطة المناسبة إلى جانب محاولة تخصيص وقت كافٍ للعائلة.

هل يقوم الوالدان وحدهما بالتربية؟ 7 يربون طفلك بدلًا منك

بالتأكيد إذا كانوا يعيشون مع طفلهم داخل فقاعة زجاجية كبيرة على كوكب غير مأهول، لا يحتكون بالجيران أو الأصدقاء ولا يجتمعون مع العائلة ولا يوجد على سطح الكوكب شوارع أو مدارس أو نوادٍ، ليس لديهم تلفزيون أو إنترنت أو أي وسيلة للاتصال بالعالم.

يبدو كوكبًا مثاليًا للاستجمام، ولكن ليس لتنشئة إنسان سوي نفسيًا، فالاحتكاك بالمجتمع ضروري لتطور الطفل وصقل شخصيته، لأن المخ عضو اجتماعي بطبعه يتأثر تطوره وقدراته بالتفاعل مع البيئة المحيطة.

1. بيت العائلة وتأثيره على الأبناء والأحفاد

ليس بدافع الحب والحماية فقط، ولكن أيضًا لميل الإنسان بالفطرة لترك بصمته ونقل خبراته للأجيال التالية يتعدى دور الجد والجدة مجالسة الأطفال لإنقاذ الوالدين في أوقات العمل والمواعيد الطارئة إلى التأثير المباشر في تكوين شخصيات أحفادهم، فعلى الرغم من مناقشاتنا اللانهائية معهم حول أهمية وضع القواعد وعدم المبالغة في التدليل، والسن المناسبة للتدريب على التخلي عن الحفاضات وعدم اقتناعهم أن السكر ليس طعامًا صحيًا، فإن علاقة الطفل الإيجابية معهم لها تأثير كبير في تطوره الصحي والنفسي.

لا نحتاج إلى دراسة لإثبات أن الأطفال الذين يقضون وقتًا أطول مع أجدادهم وجداتهم يعانون من زيادة الوزن، لكنهم يصبحون أكثر انفتاحًا وتفاعلًا ولديهم قدرة أكبر على تكوين علاقات اجتماعية صحية ومستقرة.

كذلك التمتع بعلاقات قوية مع أفراد العائلة الكبيرة امتدادًا للأعمام والأخوال وأبنائهم يؤثر في سلوك الطفل وتحصيله الدراسي، وحتى صحة الطفل والوالدين النفسية، فالعائلات المترابطة توفر دعمًا لمرضى الاكتئاب وتساعدهم على تجاوز أعراض المرض.

2. مجتمع المدرسة: تحديات تربوية ونفسية

يتجاوز تأثير المدرسة جدران الفصل وورقة الامتحان تاركًا آثارًا نفسية وسلوكية قد تمتد لسنوات طويلة ربما حتى الشيخوخة، فهناك دائمًا معلم لا يمكن نسيانه سواء كان أثره اكتساب سلوكيات وألفاظ سلبية أو عقدة نفسية عميقة أو كان تقديم قدوة إيجابية وتوفير الدعم الدراسي والنفسي مساهمًا في ازدهار مواهب الطفل والحفاظ على صحته النفسية بدعم ثقته بنفسه وتحفيزه على تطوير ذاته.

كذلك يختلط الطفل مع أطفال آخرين من أسر من مختلف المستويات الاجتماعية والمادية ذات خلفيات ثقافية وأساليب تربوية متباينة مما يطور مهاراته الاجتماعية ويشجعه على الانفتاح وتكوين الصداقات، لكنه قد يتأثر بأصدقائه وزملائه في الفصل مكتسبًا سلوكياتهم وعباراتهم وحتى نمط الملابس إما بالتقليد أو بالخضوع لضغط الأقران ليشعر بالقبول والانتماء، يأتي هنا دور الوالدين لمعادلة تأثير المدرسة وتفعيل نظام فلترة ذاتي لدى الطفل وهو ليس أمرًا سهلًا خاصة في مرحلة المراهقة.

3. النادي: المكسب والخسارة

يبدو أن عبارة «العقل السليم في الجسم السليم» ليست مجرد كليشيه، فممارسة الرياضة تؤثر بالفعل على التطور العقلي والنفسي لطفلك، تعزز لديه الثقة بالنفس والالتزام، كما تنمي مهارات التواصل والعمل الجماعي وتساهم في تشكيل آرائه ومعتقداته وتعديل سلوكه.

ولكن رحلة البحث عن الكأس محفوفة بالضغوط والإصابات البدنية والنفسية، إذ يلجأ بعض المدربين للتنمر والعنف اللفظي بحجة التحفيز مما يدمر ثقة الطفل بنفسه وقد يكتسب سلوكهم ويمارس التنمر ضد أطفال آخرين، ناهيك عن الضغط البدني والعصبي والتنافسية الشديدة المصاحبين لاستعدادات البطولات الرياضية ومبارياتها، حتى أن بعض الأهالي يأخذون أمر الفوز والخسارة على محمل شخصي واضعين على عاتق المسكين مسؤولية إسعادهم.

كل ذلك الضغط والاحتفاء المبالغ بهما يربط صورة الطفل عن ذاته بأدائه الرياضي فتهتز ثقته بنفسه عند الخسارة ويشعر بأنه أفضل من الآخرين عند المكسب، لا أقصد أن التنافس وإحراز البطولات أمر سيئ، ولكن تذكر دائمًا أن الرياضة للمتعة في المقام الأول، إذا لم يكن الطفل يستمتع بوقته وتفوق الخسائر التربوية القدرة على الإصلاح تأكد أن هناك خطأ ما يجب تداركه.

4. الجيران: نحن لا نعيش في جزر منعزلة؟

من علامات التوازن الاجتماعي أن يكوّن الجيران شبكة علاقات متينة يقدمون فيها الدعم لبعضهم البعض ويتبادلون الخبرات الحياتية والتربوية، نظرًا لاشتراكهم في مكان السكن وتقارب المستوى الاجتماعي والمادي.

للأسف نادرًا ما تتوفر الفرصة لينعم أطفالنا بما حظينا به من مزايا الاختلاط بالجيران، اللعب مع أطفال الحي بالكرة وسباق الدراجات والاستغماية، كل هذه الحركة في مساحات كبيرة مهمة للنمو العضلي والإدراكي، تشكيل الفرق واللعب في مجموعات يطور قدرات التواصل والعمل الجماعي، حتى الشجار يساعد على تطوير مهارات حل المشكلات والتفاوض واتخاذ القرار.

5. المحتوى المرئي والإنترنت: السلاح ذو الحدين

التعرض للمحتوى المرئي لفترات طويلة بشكل عام يؤدي إلى اضطرابات الشهية وزيادة الوزن والتأخر الدراسي وضعف القدرات الاجتماعية ومهارات التواصل، تكمن خطورة الرسائل المرئية في تأثيرها العميق والسريع على السلوكيات والقيم خاصة الأطفال والمراهقين، لذلك من الضروري أن يشارك الوالدان المشاهدة مع أطفالهما للنقد والمناقشة وفلترة الرسائل التي يتلقونها، طبعًا بعد اختيار المحتوى المناسب من البداية.

في سن ما قبل المدرسة يساعد المحتوى المرئي بشكل عام وخاصة الإنترنت على التعلم؛ ما أسهل أن يتصفح طفلك اليوتيوب ليشاهد فيديوهات تعلم الأرقام والألوان والحروف ثم تسمعه يرددها طوال اليوم، ولكن يجب حصر اختياراته في قوائم محددة مسبقًا منتقاة بعناية لتجنب تعرضه لمحتوى غير مناسب، مع مراعاة عدم تجاوز وقت الشاشة المناسب لسنه.

يساعد الإنترنت الأطفال الأكبر سنًا في الدراسة واكتساب المعلومات بسهولة ودون تكلفة ويسهّل التواصل بين الطلبة ومدرسيهم، وكذلك بين المدرسة وأولياء الأمور، ولكنه قد يعرضهم لمحتوى يحرض على العنف أو ذي طابع جنسي إلى جانب خطر التحرش أو التنمر الإلكتروني.

يمكّننا الإنترنت من الوصول إلى كم مهول من المعلومات والمدخلات وحتى إضافة معلومات دون رقابة أو توثيق وبمنتهى السهولة حيث يستطيع طفل في الثالثة من عمره أن يستخدم هاتفًا ذكيًا دون مساعدة، ميزة حظي بها والداه بعد سن العشرين، ويكافح أجداده للحصول عليها وقد تجاوزوا الخمسين، قد تختلف فوائد وأضرار الإنترنت حسب الفئة العمرية للطفل ولكن لا خلاف على أهمية رقابة المحتوى الذي يتعرض له في أي سن.

6. الماميز: «إيه ده هو انتِ ابنك ….؟»

في مطعم مزدحم أو مكان عام يدوّي فجأة صراخ طفل فتلتفت إليه الأنظار ليبدأ العرض: محاولات التهدئة التي غالبًا ما تؤدي إلى تصاعد الموقف انتهاء بمشهد درامي لطفل يتمرغ أرضًا يمكنك سماع صراخه من الصين وأم مغلوبة على أمرها في انتظار مرور عاصفة الغضب بأقل الخسائر متحملة نظرات وتعليقات المحيطين بين موجهين للوم أو مبدين للانزعاج، مقاومة رغبتها في الارتماء أرضًا والبكاء هي الأخرى.

غالبًا ما ينتهي الموقف بتوبيخ الطفل وحتى التعامل معه بعنف أو رضوخ الأم لطلبه رغم إرادتها تحت ضغط الإحراج، الآن وجد الطفل وسيلة للضغط: «إذا أردت شيئًا بقوة، ألقي نفسك على الأرض ثم اصرخ وستحصل عليه فورًا».

7. مجاميع المارة: 1 –  الأم (صفر)

التعرض للأحكام طوال الوقت من أقسى ضغوط الأمومة، يدفعنا للشك في أنفسنا والشعور بالذنب والتصرف عكس إرادتنا وقناعاتنا التربوية، نحن محاطون بمطلقي الأحكام طوال الوقت في التجمعات العائلية والنادي والشارع، حتى صفحات التواصل الاجتماعي ومجموعات الأمهات على تطبيق الواتساب عبارة عن مجتمع من المنتقدين لا يسلم منه أحد، يمكنك اختيار ما يناسبك، ولكن كل اختياراتك منتقدة في النهاية، الكل مخطئون وأنتِ دائمًا أم مقصرة في نظر أحدهم، لا تغيري بوصلتك وفقًا لاتجاهات الآخرين، فأنتِ لست مدينة لأحد بتفسير أو اعتذار سوى أطفالك، هم أولى بوقتك وطاقتك، استثمريهم في البحث والتعلم وتطوير مهاراتك كأم.

أما هواة الانتقاد فنحن نشكركم لنصائحكم الغالية، نعلم أنكم ربما تحملون نوايا طيبة ولكن فضلًا، إذا لم يكن الطفل معرضًا للأذى أو الخطر يمكنكم الاحتفاظ بالنصائح لمن يطلبها، انتقادكم للغير لا يجعل أحدًا أفضل، بل يؤثر سلبًا على الأم وبالتالي على تعاملها مع أطفالها.

لا يمكننا تربية أبنائنا بمعزل عن العوامل الخارجية، فنحن نتأثر قبلهم بالبيئة والظروف المحيطة، ولكن يمكننا فلترة الـمؤثرات الخارجية ومعادلة آثارها السلبية قدر استطاعتنا، تذكّر أن الأطفال يتعلمون بالتقليد؛ يمكنك إلقاء المحاضرات والقصص لساعات كل يوم سيفعل طفلك فقط ما يراك تفعله، سيأكل طعامًا صحيًا ويمارس الرياضة لأنك تفعل ذلك، سينظم وقته ويرتب حجرته عندما يراك قدوة في النظام، سيكوّن معتقداته وصورته الذاتية من خلالك، سيحمل قيّمك وتربيتك إلى الخارج وليس العكس، مهما كان تأثير الأصدقاء أو الجيران أو الميديا ستظل بصمتك أقوى بالتواصل والاحتواء والثقة، بالتأكيد لم يعد العالم مكانًا آمنًا لينطلقوا فيه وحدهم ولكننا لا نملك إلا تأسيسهم نفسيًا وتربويًا وتزويدهم ببوصلة توجيه ذاتي، ثم التواجد دائمًا لتقديم الدعم والتوجيه إذا ما ضّلوا الطريق يومًا ما.