برامج المواهب: كيف تؤثر سلبًا على طفلك؟

أطفال مواهب

كل طفل يأتي إلى هذا العالم بداخله بذرة الموهبة، التي قد تنمو عنده مع نمو جسده وعقله، إما أن تدفن داخله بإهمالها، ولكن هل تعني الموهبة الشهرة؟ هل ليس للشهرة ضريبة للنجوم أنفسهم؟ فما بالك إذا ألقيت الشهرة على طفل لم يكتمل نضجه العقلي أو الحسي؟ وإذا لم تلقي فكيف أنمي مواهب طفلي؟ وما هو تأثير برامج مواهب الأطفال على طفلي الذي يشاهد في المنزل باعتباره واحدًا من القاعدة العريضة المستهدفة من تلك البرامج؟

هل سيلفون الكرسي لطفلك؟

الأطفال كائنات مبدعة بطبيعتها، تتعلم ممن حولها من خلال التشجيع والتقليد؛ وخاصة منذ الولادة وحتى 7 سنوات حيث يميل الطفل بكل تلقائية إلى تكرار الفعل الذي يلقى استحسانًا ممن حوله، حتى يحصل على حبهم وتشجيعهم، وهو احتياج نفسي أساسي للطفل مثل حاجته للطعام والشراب تمامًا، فماذا لو وضعنا كل هذه الفطرة تحت ضغط نفسي وعصبي رهيب وهم ينتظرون لف الكرسي الذي يعني القبول أو الرفض، وكيف له أن يقتنع بموهبته بعد رفضه؟ وكيف لطفلي المشاهد أن يشعر بكل مشاعر الإحباط هذه وهو يشاهد رفض من يشجعه؟ فكل هذه الإحباطات والشعور بالفشل تزرع في طفل لم يستطع بعد معرفة الحياة حتى يعرف معنى الفشل.

التوجيه يحل الكثير من المشاكل

ترسخ هذه البرامج في عقول الأطفال المشاهدين أن الموهبة فقط عبارة عن غناء ورقص وشهرة، فيصبح المطرب هو القدوة المثالية الوحيدة له، ويفقد اهتمامه للرياضة والذكاء الذهني والرسم والمهارات اليدوية والفكرية أو أن يحب الهندسة أو العلوم ويرغب أن يصبح مهندسًا أو طبيبًا ذا أثر في مجتمعه. ولذلك يجب ألا يشاهد طفلك هذه البرامج بمفرده كما أنه لا يجب منعه من مشاهدتها فالممنوع مرغوب، وقد تساعد مثل هذه البرامج لدفع طفلك إلى المحاكاة والتقليد فتتفجر لديه طاقات إبداعية ومواهب مدفونة، وقد تؤثر على ثقة طفلك بنفسه ويدخل في حالة إحباط ويشعر أنه أقل من هؤلاء الأطفال الذين يشاهدهم سواء شكلاً أو موضوعًا حتى لو كان يمتلك مواهب أخرى، وهذا يترتب على العوامل المحيطة بالطفل ونفسيته وأيضًا والديه.

الآباء: مشكلة أم حل؟

عندما يقارن الآباء أبناءهم بالأطفال المشاهير ويتحدث عنهم بإعجاب شديد أو أن يقارنهم بطفله وأن صوتهم أجمل وأنهم أفضل، أو تسأله ليس لديك رغبة لتصبح مثلهم، أو أن يظهر عليك الاستياء لأن طفلك لا يمتلك هذه المواهب مثلهم، كل هذا يفقد الطفل ثقته بنفسه وتهتز صورته أمام نفسه ليشعر أنه عديم الفائدة وتدفعه لإهمال مواهبه الحقيقية وعدم الرغبة في السعي لاكتشافها حتى لو كان مبدعًا، سيشعر بالفشل لأنه لم يستطع لفت انتباه والديه أو أن يكون في مثل مكان هذا الطفل المسلط عليه الأضواء، ناهيك عن تأثير كل هذا الثراء الواضح عليهم مثل المشاهير مما تجعل طفلك يشعر بالدونية خاصةً لو كنت من الأسر البسيطة او المتوسطة الدخل، لذا يجب تقديم الرعاية الخاصة لطفلك أثناء مشاهدته هذه البرامج.

ما يجب على الآباء فعله

  • لا تجلس منشغلًا بالأطفال الذين تشاهدهم عن طفلك، بل تحدث معه وافتح معه نقاشًا حول الموهبة وما يعجبه في هذا الذي يقدمه الطفل المتسابق ومن يشجع وكأنه مجرد سباق وهو يبدي رأيه به.
  • أبرز لطفلك مواهبه وأنه يستطيع أن يصبح موهوبًا مثل هؤلاء في تخصص آخر فهم موهوبون في الغناء وهو موهوب أكثر في الرياضة على سبيل المثال.
  • شجعه على اكتشاف موهبته ولو شعر أن لديه نفس موهبة الغناء، فلا تجعله يخجل أو يتراجع بل أخبره فقط أن هؤلاء مرّوا بتدريبات كثيرة حتى يستطيعوا الوقوف في هذا المكان لذا يجب عليه الاهتمام والتدريب أكثر.
  • ادعم طفلك نفسيًا واشحن طاقته “بالطبطة” والملامسة واغمره بالمشاعر الإيجابية واهتمامك به أثناء المشاهدة حتى يصل له أنك تتقبله وتحبه ولا تجده أقل من هؤلاء أبدًا.
  • لا تدفع طفلك للشهرة لو كان لديه نفس الموهبة والتدريب أكثر بالإجبار ووضعه تحت ضغط إما أن يصبح هكذا وإما لا، فالأصل في كل شيء هو التدرج، فاتركه يتدرج في موهبته مع الحفاظ على التدريب بانتظام بمعدل جيد حتى يستطيع التوازن بين حياته الطبيعية وموهبته.
  • لا تقارن طفلك بهؤلاء الأطفال فتجعله يرى نفسه أقل منهم ويشعر بالفشل والإحباط وأنه لا يرى في عيون والديه المدح والإعجاب.
  • تجنب المدح الزائد لهؤلاء المشتركين أمام طفلك حتى لا يفقد ثقته بنفسه، بل عزز ثقته وأبرز مميزات طفلك ومواهبة الأخرى.
  • اذكر أمام طفلك دائمًا أن الموهبة هي رزق من الله، سبحانه وتعالى، وأن كلًا منا يجب عليه الحفاظ عليها وتنميتها، وأن المواهب تختلف باختلافنا كبشر، فقد تمتلك مواهب أخرى لا يمتلكها هذا المتسابق.
  • ازرع المفاهيم الإيجابية لطفلك عن معنى الموهبة وأن تقدير من حولك يعود إلى تقديم ما ينفعهم وأن المديح ليس في الغناء فقط، بل هناك علماء وأدباء مشهورون ويقدرهم المجتمع واذكر له بعضهم.
  • أخبره حسب عمره أن كل هذا الثراء هو فقط من متطلبات التصوير، وأنه ضروري للظهور أمام العالم بشكل جيد، وأن التمويل يأتي من شركات ضخمة وليس أفرادًا.

تأثير خوض التجربة ذاتها

  • انتقال الطفل فجأة إلى صفوف المشاهير وتسليط الأضواء عليه قد يجعل منه شخصية غير سوية نفسيًا.
  • خضوع الطفل تحت ضغوط رهيبة أثناء المسابقة وتوتره المستمر يزيد عليه الضغوط النفسية غير المحتملة.
  • يشعر الطفل بعد الشهرة بتضخم الذات وأنه مختلف عن بقية زملائه وأقرانه، وقد يشعر بالتكبر عليهم من كثرة حصوله على المديح والثناء.
  • قد تفقد الشهرة براءة طفلك وتصبح لديه الكثير من المهام والمسؤوليات التي تحرمه من التعامل العفوي مع الأطفال الآخرين أو اللعب معهم بطبيعته.
  • يتعرض الطفل المشهور كثيراً للتنمر والظلم ولا يستطيع التعامل مع ما يضايقه في المواقف البسيطة اليومية.
  • يصبح طفلك شخصية ناجحة بالتأكيد، لكن في جانب واحد فقط وهو الجانب المهني، فالشخصية السوية لها 7 جوانب تحتاج للاهتمام والإشباع، هي الجانب الروحاني والعائلي والاجتماعي والصحي والمهني والمادي والشخصي، ويجب الانتباه حتى لا يصبح شخصية مضطربة.
  • يفتقد الطفل بعد الشهرة لتكوين الأصدقاء والتعامل مع من في مثل عمره، من كثرة تعامله مع الكبار.
  • يشعر الطفل أنه كبر فجأة، وقد يشعر بالدلال، وأنه يمتلك جميع النعم التي يتمناها، وقد يزهد في كل شيء لأنه حقق كل أمانيه في سن صغيرة.
  • عندما يفوز الطفل يخلق لنفسه عالمه الخاص كي يحافظ على مزيد من النجاح وقد يبعد عن عائلته وأصدقائه، وينشغل بمتابعة مواقع التواصل الاجتماعي والاهتمام بمحبيه ومتابعيه.
  • لو خرج الطفل من المنافسة فتحدث الصدمة ولا يستطيع التحكم بمشاعره ليصبح مثيراً لشفقة الجمهور وقد يحدث له عقدة نفسية، وأنه أصبح مرفوضًا وتهتز ثقته بموهبته وقد يتخلى عنها تماماً، لذا يجب أن تدعمه نفسيًا لقبول الفوز والهزيمة وتساعده لتحقيق ذاته مهما كان آراء الآخرين به، ولا تدفع طفلك بالزور بل أخبره برأيك بكل موضوعية.

كيف أنمي موهبة طفلي؟

  • تمتع بالمرونة، واترك لطفلك حرية الاختيار ولا تجبره على هواية محددة، بل شجعه حسب ميوله، حتى يعرف ما يحب أولاَ ويكتشف قدراته ثانيًا.
  • وفر له الكثير من الأنشطة والتجارب كي يتعلم منها وينمي موهبته بالترغيب والتمرن من خلال الورش والكورسات في مجال موهبته.
  • اهتم بجميع جوانب شخصيته ولا تكرث اهتمامك لموهبته فقط، واحرص على أن يختلط الطفل مع أقرانه لاكتساب الذكاء الاجتماعي وخلق روح التعاون والمشاركة لديه وتبادل الخبرات والمواهب معهم.
  • لا مانع أن يشارك طفلك في هذه البرامج فقط عليك أن تعده نفسيًا وخوض التجربة كلعبة وأن الخسارة لا تعني الفشل أو عدم تمتعه بالموهبة.
  • ادعمه دومًا وسانده وعلمه كيف يتعامل مع المكسب والخسارة، فهذه هي الحياة.
  • استعن بخبير في مجال موهبة طفلك كي يساعدك في تنميتها وتحديد مستواه، لممارسة الموهبة ممارسةً عمليّةً لصقلها، والاستفادة من خبرات المختصين والموهوبين ومن خلال مطالعة الكتب ذات الصلة والتحصيل العلمي وأخذ الدورات المتخصصة في مجال الموهبة.
  • أتح له الفرصة لتجربة مجالات مختلفة تظهر تميز طفلك في موهبة محددة عن غيرها، فبعض الأطفال يظهرون تفوقًا في نشاط معين ثم يملّون منه بعد فترة ليجربوا غيره، وكل فترة تظهر لديه موهبة جديدة حتى تكتمل شخصيته ويستطيع حينها تحديد ما يريد والعمل على تنظيم مواهبه إذا تعددت وتنمية الأهم والأنسب لديه حتى لا يتشتت الطفل بينهم.
  • الابتعاد عن الألعاب الإلكترونية الحديثة التي تشوش ذهن الطفل وتحد من إبداعه وتفكيره.
  • ممارسة الألعاب التي تزيد من ذكاء الطفل وقدرته على حل المشاكل والإبداع.
  • تحمُّل أخطاء الطفل حتى وإن تكررت ولا تقل كلمات محبطة له، ولا تتجاهل الأسئلة الصادرة منه لأنّ هذه الأسئلة قد تكون بمثابة الخطوة الأولى لاكتشاف موهبة الطفل فمن خلالها يستطلع ما يدور حوله.
  • تقع على الأم مسؤولية ملاحظة الطفل خلال التصاقه بها في سنواته الأولى ومراقبة ميل شغفه وميوله وما يلفت انتباهه، لأي موهبة من الأنشطة التي تقدمها له للتركيز عليها بعد ذلك.
  • بينما يأتي دور الأب بعد وصول الطفل لسن الخامسة لتعلقه بوالده أكثر في هذه المرحلة، ويجب أن يستغل الوقت الذي يقضيه معه ليدعمه فيما يحب وتشجعيه بالممارسة.
  • الحرص على الغذاء السليم والصحي الذي ينمّي العقل والذهن ويجعله متيقّظًا والبعد عن كل ما من شأنه التقليل من كفاءة الدماغ، والتعود على النوم المبكر والاستيقاظ المبكر. ويمكنك قراءة «تدريبات ضعف الذاكرة: كيف تقوي ذاكرة طفلك؟»
  • إطلاق الألقاب المناسبة لموهبة الطفل والتي تميّز بها؛ حتى تشجعه مثل: الطبيب أو العبقري أو المستكشف.
  • تخصيص مكان لعرض كل ما أبدع به الطفل والاحتفاء بهذا الإنتاج مع الأصدقاء والعائلة.
  • قراءة قصص الموهوبين وما واجهوه من مصاعب وقدرتهم على تخطّيها للوصول إلى أهدافهم وتنمية مواهبهم.

وفي النهاية فإن تأثير هذه البرامج على الأطفال المتلقين، هو تأثير مجرد يانتهاء البرنامج ما لم تكرر الأمر وتذكر أطفالك به، وهو يعتبر بمثابة تجربة تزيد من خبرة الطفل الحياتية، حيث إنه يسخر حياته وأفكاره وسلوكه وأيضاً مشاعره حول هذه التجربة، وعند انتهائها فحتمًا سيخرج من دائرة التأثير، فانتبه لمشاعر طفلك وللمزيد يمكنك قراءة «مشاعر طفلك: بوابة الدخول الذهبية».