لماذا لا يجب عليك أن تحكي قصص الأميرات لطفلك؟

قصص وحكايات للطفل

كان يا ما كان في قديم الزمان أميرة شديدة الجمال، رشيقة، بيضاء البشرة، شعرها أملس وطويل، تعيش في قصر كبير، لا تعمل بالطبع فالأميرات لا يعملن ولكن قد تضطرها الظروف لأداء المهام المنزلية على سبيل الإذلال، ليس لديها أصدقاء ولكنها تحب الحيوانات، كانت الأميرة رغم طيبتها تتعرض للمؤامرات والمكائد من أخريات غيورات لم ينلن حظها من الجمال، بسبب رقتها المفرطة وهشاشتها لم تستطع مواجهة أعدائها والدفاع عن نفسها فكانت تنتظر معجزة، ربما تكون جنية أو أميرًا أو صيادًا أو حتى بضعة أقزام يعيشون في كوخ سري بالغابة. كانت أميرتنا أنيقة ترتدي التاج وفساتين الأميرات الجميلة دائمًا، طيبة ولطيفة مع الجميع حتى من يؤذونها، تمتلك موهبة مميزة؛ فهي إما ذات صوت خلاب أو بارعة في الرسم أو حتى ذات شَعر خارق له القدرة على شفاء الجروح، قنوعة لديها حلم واحد فقط، أن يبحث عنها فارس أحلامها الشجاع الوسيم وينقذها ثم يتزوجها ليعيشا في سعادة إلى الأبد، فقط سعادة دون مسؤوليات أو مشكلات، سيستمر زفافهما الأسطوري إلى الأبد.

عزيزي القاريء.. لماذا يجب عليك، تحت أي ظروف، ألا تحكي هذه القصة لطفلك؟ هذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال.


القصص والحكايات: متعةٌ وتعلُّمٌ أساسيان

منذ آلاف السنين استخدم الإنسان القصص لتسجيل خبراته ومعتقداته وتشكيل ثقافته وهويته وكانت الحكايات هي وسيلة التوريث والتوثيق الوحيدة عبرة الأجيال، ثم بدأ الإنسان النقش على الصخور وجدران الكهوف والمعابد وجلود والحيوانات ومن ثم اختراع الورق والطباعة، والتسجيلات الصوتية ثم السينما برسالتها المخصصة للطفل: الرسوم المتحركة، وصولًا للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي حيث نقضي معظم اليوم في سرد ومشاهدة القصص عن العمل والأصدقاء والعائلة.

ترتبط قراءة القصص الخيالية بزيادة القدرات الاجتماعية كالتعاطف والذكاء الاجتماعي، ينشّط الاستماع لقصة جيدة ومشوقة القشرة السمعية والمراكز البصرية واللغوية في المخ، إذا كانت القصة غنية بالتفاصيل قد تنشط أيضًا القشرة الحركية ومراكز الشم الحسية، كما أن التشويق والتأثر بالقصة يدفع المتلقي إلى محاكاة مشاعر وتصرفات الأبطال ويتم إفراز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بهرمون السعادة والذي يدعم أيضًا التعاطف مع الأبطال والثقة بالراوي مما يؤثر في السلوكيات والمواقف وحتى القناعات.


كيف تؤثر قصص الأميرات الخيالية في طفلك؟

يكوّن الأطفال معتقداتهم عن العالم بناء على تفسيراتهم وملاحظاتهم لتجاربهم اليومية ويؤثر المحتوى المرئي بالذات على تكوين مفاهيم السلوك المجتمعي بالتالي تنشئة الطفل اجتماعيًا، مما يجعله سلاحًا ذا حدّين يمكن أن يؤثر على معتقدات وسلوكيات الطفل بالسلب أو بالإيجاب. فترتكز معظم السلبيات في الأفلام القديمة في الحقبة ما بين الثلاثينيات والخمسينيات وربما ارتبط ذلك بالمفاهيم المجتمعية آنذاك.

1. الدور النمطي -غير الحقيقي- للجنسين

عكست أفلام أميرات ديزني القديمة مثل سندريلا وسنوايت والجميلة النائمة تصوّر المجتمع عن دور المرأة في ذلك الوقت، فهي شخصية اعتمادية سلبية وضعيفة، تفتقر إلى المبادرة والشجاعة وتعتمد على الرجل بشكل كامل، ففي دراسة عن تأثير التعرض لهذه الأفلام على المدى الطويل، وجد أن الفتيات اللاتي يتعلقن بنمط الأميرة السابق يخشين المغامرة والاستكشاف كما يصبحن أقل ثقة في قدرتهن على التفوق في الرياضيات والعلوم، مما يجعلهن في المستقبل أقل رغبة في العمل وقبول التحديات وأكثر تعلقًا بالصفات السطحية.

2. الصورة الذاتية: الجميل طيب، الشرير قبيح

غالبًا تتمتع الأميرة بصفات جسدية مثالية؛ فهي نحيفة رائعة الجمال وذات بشرة بيضاء باستثناء بعض الأفلام، حتى الأميرة تيانا ذات الأصول إفريقية شعرها أملس، والأمير كذلك يتمتع بالوسامة والقوة، في أغلب أفلام ديزني يرتبط الجمال والشكل المثالي واللون الأبيض بالخير والسلام ويرتبط الشر باللون الأسود والصفات الجسدية السلبية مثل البدانة أو الدمامة حسب طرح الفيلم، مما يعطي صورة خاطئة في سن صغيرة ويدخل الفتيات في سباق محموم للحصول على صورة الجسد المثالية، بالتالي قد يؤثر سلبًا على الصورة الذاتية.

ربما يزيد ارتباط الفتيات ذات الصورة الذاتية المهزوزة بنمط الأميرة المثالية مع الوقت لتمنينهن الحصول على ما يعتبرنه توصيفًا لمعايير الجمال.

3. انعدام العلاقات الاجتماعية

نادرًا ما تتمتع الأميرة بعلاقات اجتماعية مستقرة مع بنات جنسها، غالبًا بسبب الغيرة، أصدقاؤها إما من الجنيات أو الحيوانات وتقع علاقتها مع الجنس الآخر معظم الوقت في دائرة الحماية والوصاية نظرًا لشخصيتها الضعيفة الاعتمادية والهشّة التي دائمًا ما تقع في المتاعب وتحتاج المساعدة للخروج منها.

4. السوبر هيرو: الكون كله يدور حولك

في الحقيقة.. لا يوجد بطل أوحد يدور حوله الكون كما في القصص الخيالية وأفلام الأبطال الخارقين

فالبطل في هذه القصص سواء كان رجلًا او امرأة، فكلاهما خارق متميز في كل شيء.. الفتاة هي الأجمل في المدينة، المبتسمة دائمًا الأرق التي لا تُخطيء أبدًا، ويغار منها الجميع. أما الأمير فهو أقوى من في البلاد، شديد الوسامة لا يقهر فهو فائز دائمًا في كل المسابقات والتحديات لا يمكن التفوق عليه في شيء.. البطل قادر على فعل كل شيء والآخرون يدورون في فلكه إما لمساعدته أو إظهار مدى كماله مقابل نواقصهم، جميل عالم الخيال وسحري ولكن كم هو محبط أن نزرع في الطفل مناشدة الكمال وأهمية الفوز على الجميع والتميز عليهم، بدلًا من تقبل إمكاناته وتميزه في بعض الأمور ونقصانه في بعض الأمور الأخرى، بدلًا من تأهيله لتقبله نفسه والعمل الدؤوب على تطوير ما ينتقصه، يتم زرع الصورة الكاملة مما يسبب الإحباط وعدم القبول.. فما حال طفل متميز في الرياضيات أو اللغات لكنه ضعيف البنية غير متميز في الألعاب الرياضية؟ وفقا لمرجعية الـ(سوبر هيرو) هو إنسان ناقص لا يمكن أن يكون بطلًا من هؤلاء الذين نحكي عنهم في حكاياتنا الخيالية، لكن على أرض الواقع، قد يكون بطلًا لحياته وحياة من حوله. لذا ليس علينا بث هذا المفهوم في قصصنا الخيالية لأطفالنا، لأن الحكايات دومًا منفذ لاستمداد العبر والدروس. فلا نريد بالتأكيد تصدير هذا الدرس له بالتأكيد.


هل هناك رسائل إيجابية في قصص الأميرات؟

تغيرت ثقافة أفلام الأميرات مع الوقت فظهرت نماذج أكثر تأثيرًا تتمتع بالجرأة والتحرر، معتمدة على نفسها وتقدم الدعم للمحيطين مثل بوكاهنتس ومولان وتيانا وروبينزل حيث أصبحت شخصية الأميرة أكثر إيجابية وإن كان الاعتماد على دور الأمير ما زال قائمًا، ثم ظهر جيل جديد من الأميرات يتمتعن بالقيادة والاستقلالية والشجاعة والطموح ويكاد ينعدم الاعتماد على منقذ، بل قامت الأميرة بدور المنقذ كما تمتعت بعلاقات اجتماعية أكثر استقرارًا واختفت فكرة الحب من النظرة الأولى وفارس الأحلام والزفاف الأسطوري مثل أفلام frozen وbrave وmoana.

 الطريف أن أفلام الأميرات قد تحدث تأثيرًا إيجابيًا لدى الأطفال الذكور، إذ يتأثرون بشخصية الأمير الشجاع القوي الحازم، الذي يتمتع بروح التعاون بالإضافة للمغامرة والاستكشاف ويتعامل مع الجنس الآخر بلطف، مما قد يعادل تأثير أفلام الأبطال الخارقين التي تميل للعنف أحيانًا.

من الإيجابيات أيضًا علاقة معظم الأميرات بالحيوانات والاهتمام بهم والعطف عليهم وكذلك الميل لمساعدة الآخرين ومعاملتهم بلطف وحب بعضهن للاستكشاف وتمتعهن بروح المغامرة والميل للتمرد على تقاليد المجتمع مثل مولان والأميرة ياسمين.


كيف نتجنب الآثار السلبية للحكايات؟

1. توفير البدائل

لا يمكن منع الأطفال تمامًا من مشاهدة محتوى أفلام الرسوم المتحركة ولكن تدخل الأهل ونقاشهم وتوجيههم بشكل غير مباشر يساعد في فلترة الأفكار ومعادلة تأثير الصور النمطية وربما يساعد تعرض الأطفال لمحتويات موازية مثل قصص الفتيات المتمردات حيث قامت كاتبتان أمريكيتان بإصدار مجموعة قصصية مكتوبة ومسموعة تتمتع بأسلوب مشوق وتدور حول نماذج نسائية إيجابية من الواقع، سرعان ما انتشرت وأصبحت من أكثر كتب الأطفال مبيعًا.

2. التواصل وتقديم الدعم

الاستماع باهتمام والتواصل الإيجابي يساعد على التعبير عن النفس ويدعم الثقة بالذات ، تقديم الدعم في المواقف السلبية دون إطلاق أحكام والتشجيع على التواصل مع الآخرين وتكوين دوائر اجتماعية سواء في المدرسة أو النادي يؤثر إيجابيًا على تطور شخصيتها واستقلاليتها.

3. القدوة الإيجابية

يتأثر الأطفال وخاصة البنات بصورة الوالدين الذاتية، إذا كانت الأم دائمًا تظهر عدم رضاها عن شكلها وتتساءل عما إذا كانت اكتسبت الوزن أو تحرص على تمليس شعرها وتبدي قلقها من التجاعيد، فسوف تكتسب ابنتها نفس التفكير وتتأثر صورتها الذاتية، كما أن التحدث بصورة سلبية عن أخريات خاصة انتقاد المظهر، يعطي مثالًا سيئًا للفتيات عن شكل العلاقات الاجتماعية الصحية زيفعهن للتنمر على الآخرين.

4. القوة احتياج أساسي للحياة: النوع لا يهم!

يجب غرس قوة الشخصية منذ الصغر بتشجيع البنت على الإيجابية والتصدي لحقوقها وامتلاك حرية القرار والتصرف مع تقديم الدعم، لتأهيلها للاستقلالية وتحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات في المستقبل، فغرس صورة الفتاة المطيعة الضعيفة يؤدي لاهتزاز الثقة بالنفس.

5. المظهر ليس كل شيء

تحب الفتيات الإطراء بالفطرة ولكن يفضل إلى جانب الإطراء المعتاد عن مدى جمالها أو أناقة فستانها، إبداء الإعجاب بذكائها وشجاعتها أو ممارستها للرياضة ومجهوداتها بشكل عام حتى لو لم يثمر عن نتائج عظيمة، كما يجب مراعاة عدم المبالغة.

 انتقاد الوزن أو لون البشرة أو الشعر يعتبر تنمرًا مدمرًا للثقة بالنفس وإن كان في صورة نصيحة أو مزحة.

6. الاشتراك في أنشطة متعددة

الاهتمام بممارسة عدة أنشطة دون الضغط التنافسي والسعي للكمال مثل ممارسة الرياضة في سن مبكرة يدعم الثقة بالذات والإحساس بالإنجاز والاستحقاق، كما يوفر مجالًا لتوسع العلاقات الاجتماعية الصحية، كذلك الأنشطة الفنية كالرسم والموسيقى والتمثيل، تساعد على تخفيف تأثير الصورة النمطية لمعايير الجمال المثالية فالإبداع أفضل وسيلة للتعبير عن النفس دون الالتفات للمظاهر.

7. تجنب الحماية المفرطة

لا شك أن دور الأب مهم في دعم صورة العلاقات الصحية مع الجنس الآخر ولكن المبالغة في الحماية ومعاملة الابنة على أساس الضعف وقلة الحيلة يساهم في اهتزاز ثقتها باستقلاليتها وقدرتها على حل المشكلات، يفضل تقديم الدعم واحترام قراراتها الخاصة دون تدخل مباشر.

8. الحب غير المشروط

وجود مصدر للحب غير المشروط يتمثل في الوالدين دون إبداء انتقادات سلبية تتعلق بمظهر أو سلوك معين يعزز الإحساس بالأمان والثقة وتقبل الذات مما يشكل خط دفاع نفسي في سن المراهقة، فحتى مع تأثرهم بأصدقائهم تظل صورتهم لدى الوالدين هي ما يشكل انطباعهم عن أنفسهم في المقام الأول.

بالطبع ليس المقصود تربية فتاة خشنة ترفض طبيعتها الأنثوية أو ولد سلبي يفتقر إلى التنافسية ولكن أن لا نربي فتياتنا على الضعف والسلبية وزرع عدم الثقة في قدراتهن عبر الصورة النمطية البالغ فيها التي تنتقل عبر الأجيال فهي أولًا، ليست حقيقية، ثانيًا، لم تعد مناسبة للعصر الحديث، وحان الوقت لنساعد بناتنا على الخروج من هذا الإطار الهش. بالطبع لا مانع أن تعشق الفتاة الصغيرة ألعاب الأميرات ودمى الباربي وكل ماهو زهري ولامع وتحب أن تلقب بالأميرة ولكنها أميرة من نوع خاص، يجب -إلى جانب ميلها الفطري للرقة والاهتمام أن تبدو جميلة- أن تهتم بإدارتها لحياتها واستقرارها النفسي وتنمية مهاراتها، مما يمكن من حولها من الاعتماد عليها ويمكنها من الاعتماد على نفسها أمام تقلبات الحياة دون أن تنتظر منقذًا يهبط عليها من خيله الأبيض ليحل كل المشاكل التي تتشابك أمامها دون أي دور فعال منها في حلها.

كذلك تصدير صورة الأمير الكامل والبطل الخارق الكامل الذي لا يقهر مما يسبب إحباطًا للطفل، طبعًا لا مانع أن يحب الولد لعب الأبطال الخارقين وقصص سوبرمان، وأن يتمنى الطيران واختراق الجدار وإنقاذ المدينة، لكن يجب أن يتأكد أن دور البطولة يمكن شغله بأمور غير الوسامة وفتل العضلات فكل منها لديه ميزاته الخاصة التي من الممكن أن تجعله متميزًا وبطلًا لذا عليه أن يثق في نفسه وأن يكون على دراية بإمكانياته وكيف يستخدمها ويطورها.

في النهاية.. حتى لو بدا لها عالم الأميرات سحريًا ومثاليًا، فعلينا أن نعلم أطفالنا أن أبطال الحياة الحقيقيين أكثر من مجرد أميرات لا يملكون سوى جمالهم، وخارقون لا يملكون سوى عضلاتهم ووسامتهم. فالحياة أكثر حقيقية من ذلك.