كيف تنظمين يومك الدراسي مع طفلك؟

اليوم الدراسي المثالي هو هدف تسعى كل أم للوصول إليه مع أطفالها، فتتمنى أن لو استطاع طفلها أن ينجز مهامه الدراسية كلُ في وقته المحدد، وتجد هي الأخرى الوقت الكافي لأداء مهامها والاعتناء بمسئولياتها، أن يقل التذمر الذي يصاحب أداء الفروض الدراسية أو يختفي إلى الأبد. البعض يتبنى الاتجاه المؤيد لإنجاز جدول اليوم الدراسي كاملاً دون الالتفات إلى حالة الطفل النفسية، فسواء كان سعيدًا أم بائسًا فيجب عليه إنهاء هذا العمل اليوم، والبعض الآخر يتبنى الاتجاه الذي يساند نفسية الطفل على حساب الجدول اليومي، فلا بأس من أن نؤجل بعض الفروض إلى الغد، فأكثر ما يهم هو شعور الطفل بالراحه والسعادة خلال يومه، وبين هذا وذاك تكثر الآراء وتزيد حيرة الأم التي تجرب هذه الطريقه مرة وتلك مرة أخرى، ساعية للوصول إلى ذلك اليوم المثالي الذي يتحدثون عنه!

فما هو اليوم الدراسي المثالي للطفل؟ وكيف تستطيع الأم تنظيم يوم دراسي مثالي لها ولطفلها، مع الحفاظ على التوازن بين نفسية الطفل وأداء جدوله الدراسي بجودة؟


جدول الطفل اليومي مسئولية مَن؟

نموذج لجدول أعمال يومي حسب فلسفة التعلم الموجه ذاتيًا

عند استيقاظك صباحًا من النوم يبدأ عقلك تلقائيًا في جدولة المهام اليومية التي ستقومين بها، ودون وعي منك أو بوعيك الكامل فأنت تضعين لطفلك أيضًا جدوله اليومي كجزء من مهامك ومسئولياتك، ثم تخبرين طفلك بأن عليه أن يفعل كذا الآن ثم كذا بعد قليل، وهنا يبدأ الطفل بالتذمر، وتتساءل الأم لماذا يتذمر ذلك الكائن الفوضوي الذي أنظم له يومه ليتم بكفاءة ويقتنص منه أكبر قدر ممكن من الإنجاز؟

يشعر الطفل هنا أنه مفعول به لا فاعل، فيبدأ بالتذمر والعناد وما إلى ذلك من سلوكيات لا نفضلها نحن الكبار، فالطفل دائمًا يفضل أن يكون هو الفاعل في كل أموره، وأن يكون مسئولاً عن مسار حياته، حتى وإن لم يتعلم كيف يفعل ذلك، فهو يجد في نفسه القدرة على فعل ما يريد وقتما يريد، لذا حتى تضمني أن يتبنى الطفل مهامه اليومية اجعليه مسئولاً عن وضع جدوله اليومي، أو اشركيه في وضع الجدول حسب سنه، وابدئي بسؤال الطفل: ماذا تريد أن تفعل اليوم؟ ثم دوِّني ذلك على السبورة إذا كان الطفل يستطيع القراءة، أو قومي بدعوته لعمل بعض الرسوم أو الرموز إذا كان لا يستطيع القراءة، وبذلك سوف يشعر الطفل بأن ذلك جدوله الخاص لا ذلك الجدول الذي يُفرَض عليه يوميًا من قِبَل شخص آخر.

تنصح فلسفة التعلم الموجه ذاتيًا بتوجيه الأطفال إلى المشاركة في وضع الجدول اليومي بدءًا من 5-6 سنوات.


هل يعرف طفلك أن لكِ جدولاً خاصًا كذلك؟

يعتقد الأطفال أننا نحن الكبار نختار ما نريد فعله خلال يومنا بمنتهى الحرية، لا يتخيلون أننا مجبرون على القيام بكثير من الأمور أتوماتيكيًا رغم أنوفنا لثقل مسئولياتنا وأعبائنا، فجداولنا مركبة داخل أدمغتنا نراها أمام أعيننا طوال الوقت، ولا يرونها هم، ولذلك لا يدركون أننا نمضي أيامنا حسب جدول محدد، إذا كان لديك طفل وتريدين منه أن يركز على جدول أعماله اليومي فضعي جدول أعمالكِ الخاص في مكان يستطيع رؤيته، أو خلال أجندة خاصة تفتحينها كل فترة خلال اليوم لتتأكدي من المهمة القادمة، واحرصي على أن يراكِ وأنتِ تفعلين ذلك من آن لآخر. يجب أن يرى أن لديك مهام محددة في يومك وأنك تسعين إلى تنفيذها واحده تلو الأخرى، وسيقلدك الطفل لأن كل هدفه يتركز على أن يفعل ما يفعله الكبار، لأنه ليس صغيرًا كما تظنون.

تشجع فلسفة التعلم الموجه ذاتيًا على وجود جدول مشترك بالمجموعة تحدد المجموعة مهامه يوميًا وجدولاً آخر خاصًا بكل طفل على حدة

طفل يشرح لأصدقائه الجدد طريقة جدولة اليوم

هل هناك وقت مخصص للقائك وطفلك؟

تعتقد معظم الأمهات أن عند وجودها مع طفلها في نفس المكان فهي بهذا تقضي معه وقتًا خاصًا، ودائمًا ما تقول الأمهات «أنا معه طوال الوقت». عزيزتي الأم مجرد وجودك – المادي – مع طفلك في محيط المنزل أو النادي أو أي مكان آخر وأنت تفعلين شيئًا وهو يفعل شيئًا آخر لا يعتبر لقاءً بينكما، فاللقاء الخاص بينكما هو ذلك الوقت الذي تتركين فيه تليفونك المحمول وكمبيوترك الشخصي ومسئولياتك خلف ظهرك لتتفرغي فقط لقضاء وقت خاص مع طفلك، عيناك تنظران داخل عينيه ويداك تتشاركان معه فيما يفعل وقلبك ينبض مع نبضات قلبه، وتتلاقى ضحكاتكما التي تزيل هموم الدنيا التي تؤرقك. ضعي وقتًا خاصًا لكما في جدولك وجدول الطفل، وليكن «وقتًا بجودة»، ولا تتنازلي عن وجود ذلك الوقت يوميًا، وسوف ترين تأثير ذلك الوقت السحري في إنجازك أنت وطفلك لمهامكما اليومية.


هل جربتِ تقسيم المهام الثقيلة؟

إذا كان طفلك يحب اللغة ويستصعب الرياضيات فسوف يؤدي كل فروض اللغة في وقت قصير وسيبدأ في التلكؤ واختلاق الأعذار عندما يبدأ في أداء فروض الرياضيات، فما الحل؟ حاولي تقسيم فروض الرياضيات إلى أجزاء صغيرة، فلا يجب أن يجلس الطفل عليها لينهيها كاملة في وقت واحد. فقط اجعليها متناثرة خلال اليوم، فإذا كان لديه ثلاث مسائل مثلاً يجب عليه حلها، فقسميها إلى ثلاث مهمات، كل مهمة يحل مسألة واحدة فقط، وهكذا كلما حل مسألة شعر بالإنجاز، فيقوده ذلك إلى تقبل فكرة أنه بعد ساعة أخرى أو نصف ساعة سيحل مسألة أخرى.


أين موعد المتعة في الجدول؟

نهتم نحن الأمهات بجدولة الأعمال التي يترجمها عقلنا المركب أنها «أعمال مهمة»، كالقراءة والكتابة وحل المسائل الرياضية.. إلخ، ولا نهتم بوضع المتعة خلال الجدول اليومي، رغم أننا جميعًا سواء كنا كبارًا أو صغارًا نبحث في حياتنا عن المتعة في كل شيء، ونحاول الحصول على المتعة قدر المستطاع، ولذلك فإن جدول الأعمال اليومي ثقيل على قلوبنا لأنه مليء بكل تلك الأمور الجادة الجافة التي لا نريد فعلها، ولكن ماذا لو وضعنا في جدولنا اليومي وجدول الطفل وقتاً للمتعة؟ أن يكون هناك وقت خاص يتخلل الأمور الجافة فيضيف البهجة والطاقة إلى يومنا مرة أخرى، لنستطيع إنجاز فروضنا ومهماتنا. اكتبي الأمور التي تسعدك يوميًا وتسعد طفلك، واطلبي منه أن يحرص على وضعها في جدوله خلال يومه، وساعديه على أن يضع مثلاً وقتًا للعب والمتعة بعد مسألة الرياضيات المملة، فسيعطيه ذلك طاقة لحل المسألة الأخرى دونما تذمر، واحرصي على اقتناء وقتك الخاص أيضًا في جدولك، فسيعطيك طاقة لاستكمال يومك المليء بالمهمات.


هل تساعدينه أم تراقبينه؟

بعد وضع الجدول اليومي اتركي للطفل مهمة إنجاز جدوله وترتيبه، وركزي على جدولك، لا تقفي له بالمرصاد في انتظار تنفيذ الجدول، أعطِه بعضًا من الوقت والثقة والاحترام في أنه إنسان مسئول قادر على تنظيم يومه أو في طريقه إلى تعلُم ذلك، لا تنظري إليه كلما جاء أو ذهب تلك النظرة التي تذكره بأنك تنتظرين نتيجة اليوم، فقط ابتسمي له ابتسامة ود وحب ودعم، فهو يشعر فعليًا بالقلق حيال تنفيذ هذه المهام، وابتسامتك تلك تعطيه الثقة وتدفعه للأمام. كل فترة اذهبي إليه وتحدثي معه بحماس وود عمَا أنجزتِيه من جدولك، واسأليه عمَا أنجزه، وحتى إن لم ينجز شيئًا فشاركيه ما فعلتِ أنتِ، وبابتسامة هادئة أخبريه أنك تثقين بقدرته على تنظيم يومه، واذهبي لتنفيذ باقي مهماتك، واعلمي أن تلك الطريقة لن تجدي من المرة الأولى، ولكنها ستعلم طفلك تدريجيًا أن جدوله مسئوليته الخاصة وأنك لستِ رقيبًا عليه، وإنما دورك هو المساعدة فقط.

جلسة تخطيطية مع الأطفال في إحدى مدارس التعلم الموجه ذاتيًا

تنظيم يوم دراسي مثالي لكِ ولطفلك لا ينفصل أبدًا عن شعورك أنتِ وطفلك بالراحة والرضا خلال اليوم، فعلينا تبديل الصورة الذهنية للمعركة اليومية المعتادة لإنهاء الفروض والجداول إلى صورة ذهنية أخرى أكثر إشراقًا في عقولنا وعقول أطفالنا، وهي صورة الأم أو المعلمة التي تتشارك الأفكار والأهداف والتنظيم اليومي مع الطفل، أن نسعى دائمًا لجعل الطفل جزءًا من عملية تنظيم يومه، أن يكون فاعلًا لا مفعولًا به حتى يشعر بأهميته واحترامه، أن نحثه دائمًا على التفكير والتطوير والتحديث، أن نجرب معه كل الحلول المقترحة ونترك منها ما لم يتناسب معنا، ثم نجرب ثانية وثالثة ومائة حتى نصل إلى النمط المناسب لنا ولأطفالنا، أن نكون جزءًا من يومهم ويكونوا جزءًا من يومنا.

أن نرى لمعة أعينهم وهم يقررون ما سيفعلونه في يومهم، لأنه يوم مميز ويستحق التخطيط والتنظيم، بدلاً من أن يكونوا كالآلة تنفذ فقط ما أملاه عليهم الآخرون، تلك اللمعة هي ما سيضمن لنا تنفيذ هذا الجدول والحصول على يوم دراسي مثالي.