التبول اللا إرادي: متى يصبح مشكلة وما الحل؟

التبول اللا إرادي, أطفال, طب الأطفال, صحة

تقول أم رحمة: إن أحد أقاربي يشكو من التبول اللاإرادي أثناء النوم، ويحدث عندما يحلم أنه يتبول فقط، بمعنى يرى في الحلم أنه يتبول وبعدها مباشرة يحس بدفء البول وعمره قد تجاوز الثانية عشرة، كما تقول: سميرة أختي في العاشرة من عمرها ومشكلتها التبول أثناء النوم، ولكن ليس بشكل دائم، عند حديثي معها أخبرتني أنها عندما تواجه مشكلة ولا تستطيع الدفاع عن نفسها تتبول دون أن تدري.

التبول اللا إرادي وإن كان يعد أمرًا طبيعيًا إلا أنه يستوجب الملاحظة، وذلك إذا استمر بعد بلوغ الطفل خمس سنوات، فحينئذ يمثل مشكلة حقيقية تستلزم معرفة أسبابها والبحث عن سبل علاجها.

متى يعتبر الطفل مصابًا بالتبول اللاإرادي؟

إذا ما تجاوز سنّ الرابعة فالطفل يُعتبر قادرًا على استخدام دورة المياه، وكذلك إذا ما تجاوز سنّ الخامسة فمُنتظر منه أن يظل جافًّا خلال الليل، لذا إذا بل فراشه بعد ذلك أثناء نومه، أو في وقت أو مكان غير مناسبين لمرّتين أو أكثر خلال شهر واحد، فإنّه يُعتَبر مُصابًا بالتبوّل اللا إرادي، وتحصل هذه المشكلة عند الذكور بشكل أكثر شيوعًا منها عند الإناث بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا.

ومن المهم معرفة أن الطفل في بعض الحالات الاستثنائية يمكن أن يتبول لا إراديًا بعد هذه السن دون أن يكون مصابًا بمشكلة ما، فقد يرجع ذلك إلى معاناة الطفل من مشاكل نفسية كالتوتر والقلق الشديدين أو معايشة مواقف صعبة كانفصال والديه، أو تغير مكان سكنه… ولكن إن لم تكن هناك أحد هذه المستجدات وكان الطفل يتبول لا إراديًا؟ فما هي المشكلة؟

يعرف التبول اللاإرادي طبقًا «للدليل التشخيصي والإحصائي الرابع DSM-IV» والصادر عن: «الجمعية الأمريكية للطب النفسي APA»، بأنه: التبول على الملابس أو الفراش، وأن يحدث هذا التبول مرتان في الأسبوع لمدة ثلاثة شهور متتالية، وأن يحدث التبول بعد سن خمس سنوات.

أسباب التبول اللاإرادي في الأطفال

لا يزال عدد قليل من الأطفال لديهم هذه المشكلة حتى بعد سبع سنوات، وهو ما يشكل مصدر قلق، ويعزو العلماء هذه المشكلة إلى أن عمليات النمو اللازمة للتحكم في المثانة تسري على نحو أبطأ لدى هؤلاء الأطفال، فمن أسبابه :

  1. هناك بعض العوامل المحفزة للتبول اللا إرادي لدى الطفل تتعلق بالنظام الغذائي مثل تناول المشروبات المدرة للبول قبل النوم مباشرة مثل الكولا.
  2. حالات التبول اللا إرادي تنتشر بشكل أكبر لدى الأمهات اللاتي يبدأن بتعويد الطفل على التخلي عن الحفاضات وتدريب أطفالهن على التحكم في البول بوقت مبكر.
  3. تدليل الطفل والتهاون معه والتسامح عندما يتبول، مما يعزز لدى الطفل هذا السلوك ويعتقد أنه على صواب ويتمادى فيه، كذلك الحالة العكسية قد تسبب نفس المشكلة، التعامل الشديد مع الطفل ومعاقبته عند التبول في فراشه قد تخلق في داخله خوفًا يزيد من حدة المشكلة.
  4. أظهرت الدراسات أن ظهور هذه المشكلة لدى الأطفال يعود لنقص في إفراز الهرمون المضاد لإدرار البول من الغدة النخامية، وهو الهرمون المسؤول عن تنظيم دورة المياه في الجسم مما يؤدي إلى زيادة كمية البول المنتجة أثناء النوم.
  5. الإصابة ببعض الأمراض التي تسبب زيادة في إدرار البول مثل مرض السكري، أو التهاب الكلى المزمن.
  6. التفكك الأسري والشجار الدائم بين الزوجين، مما يفقد الطفل حنان الأسرة.
  7. سوء معاملة الطفل من قبل الوالدين أو غيرهما مثل الضرب والتوبيخ والعنف الأسري.
  8. قلة الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال، تجعل الأطفال أكثر عرضة للتبول اللا إرادي.
  9. الإهمال في تدريب الطفل على استخدام دورة المياه لكي تتكون لديه عادة التحكم بالبول.
  10. الخوف من المدرسة، فعند دخول الطفل السنة الدراسية الأولى يخاف من الانفصال عن الأم.
  11. غِيرَةُ الطفل، عندما يشعر أنه ليس له مكانة، وأن أحدهم يتفوق عليه، فيدفع هذا الطفل إلى النكوص، أي استخدام أسلوب طفولي يعيد له الرعاية والاهتمام مثل سلوك التبول.
  12. معاناة الطفل من الجيوب الأنفية أو تضخم اللحمية أو التهاب الحلق أو الأذن الوسطى تسبب له عدم التحكم فى التبول.
  13. النوم العميق هو سبب آخر لعدم قدرة الطفل على الاستيقاظ للبول، في بعض الأحيان ينسى الأطفال الذين ينامون بعمق إشارة الدماغ بأن المثانة ممتلئة وينتهي بهم الأمر ببلل السرير.
  14. يمكن لعادات دخول الحمام السيئة خلال النهار أن تكون واحدة من الأسباب الرئيسية للتبول اللا إرادي، فالأطفال مشغولون للغاية طوال اليوم باللعب ويتجاهلون التبول، مما قد يؤدي إلى الحاجة إلى التبول غالبًا في الليل.

الهرمون المضاد لإدرار البول (ADH) يمنع الجسم من خلق البول الزائد في الليل، فإذا كان جسم الطفل لا ينتج ما يكفي من هذا الهرمون، فإنه ينتج المزيد من البول في الليل، جنبا إلى جنب مع عدم وجود السيطرة المثانة.

وتواجه الأم مع طفلها الكثير من المشاكل، والتي تتنوع بين الصحية والسلوكية والنفسية، ولكل مشكلة من هذه المشاكل سلبياتها التي تؤثر على الطفل، لذا يجب على الأم ألا تغفل عن أي واحدة منها، وتحاول جاهدةً تداركها قبل أن تستفحل، ولعل امتناع الطفل عن قضاء حاجته، ورفضه دخول الخلاء رغم حاجته لذلك من المشاكل التي كان لابد من تسليط الضوء عليها؛ لما لها من آثار سلبية على الطفل.

الدليل العلاجي للتبول اللاإرادي

إن العلاجات التي جُربت في هذا المجال عديدة ومتنوعة وتعطي نتائج متفاوتة ولذلك فالجوانب المهمة تتمثل في التالي:

أولًا: العلاج السلوكي

هناك بعض السلوكيات التي يجب على الأسرة أن تقوم بها، وتغرسها في طفلها، وأن تمتنع عن بعض السلوكيات أمام أطفالهم، ومنها:

  1. ينبغي على الآباء أن يتذكروا أن الأطفال نادرًا ما تتبول أثناء النوم عن قصد، وعادة ما يشعرون بالخجل من هذه الفعلة، وبدلا من أن يُشعر الآباء الطفل بالخجل والدونية، فإنهم يحتاجون إلى تشجيع الطفل وإحساسه بأنه في القريب العاجل سيصبح قادرًا على الحفاظ على نفسه جافًا أثناء النوم.
  2. توفير جو أسري طيب أمام الأطفال، ويجب أن تكون مناقشة الوالدين هادئة، أي انفلات أعصاب فيه بمنأى عن الأولاد.
  3. تعويد الطفل الاعتماد على نفسه من وقت مبكر حتى يتعود كيف يواجه الأمور ويتصرف في حلها – تحت إشراف والديه- فإن الطفل الذي يتعود الاعتماد على نفسه نادرًا ما يعاني من هذه المشكلة.
  4. جعل الطفل أو تعويده على أن يتبول عدة مرات قبل نومه، وإذا أمكن إيقاظه قبل الموعد الذي تعوَّد أن يبول فيه فإنه لن يبلل فراشه، وبالتالي سوف يكتسب الثقة في نفسه مما يساعده على تحسنه بسرعة.
  5. العلاج التشريطى ويكون باستخدام وسائل للتنبيه والإنذار بجرس من خلال دوائر كهربائية تقفل عندما يبلل الطفل ملابسه الداخلية أو المرتبة وهذه تعود الطفل بالتدريج على الاستيقاظ في الموعد الذي يبلل فيه فراشه ويمكنه الذهاب إلى الحمام وقضاء حاجته.
  6. تدريب المثانة لزيادة سعتها، حيث يشرب الطفل كميات كبيرة من السوائل أثناء النهار ويطلب منه تأجيل التبول لبعض الوقت ، ويزداد الوقت تدريجيًا على مدى عدة أسابيع، وخلالها يكون قد تم له التحكم في التبول.
  7. يمكن للوالدين أن يتناوبوا على إيقاظ الطفل ليلًا خصوصًا في الشتاء حيث يتم الاحتفاظ بالكثير من السوائل داخل المثانة، كما أن التعرض للبرودة يسبب التبول الليلى عند الاطفال.
  8. إذا كان الطفل كبيرًا بما يكفى فيجب أن يقوم بنفسه بغسيل ملابسه المبللة.
  9. يجب الامتناع تمامًا عن معاقبة الطفل عن طريق التوبيخ أو الإهانة أو الضرب لأن من شأنه أن يزيد من اضطرابات نفسية تؤدي إلى مشاكل أكبر فيما بعد، حيث إن علاج التبول الليلي عند الأطفال يجب أن يتم بحذر وببطء فلا تتوقعي نتائج سريعة.
  10. يجب عمل مكافأة معينة للطفل إذا ظل ليلتين أو ثلاث دون أن يبلل فراشه كنوع من التشجيع، وفى كل مرة نزيد عدد الليالي التي يجب على الطفل أن يتجاوزها ليحصل على الجائزة.
  11. يجب أن نمنع الأطفال من شرب السوائل قبل النوم على الأقل بساعتين وخصوصًا المشروبات المنبهة.
  12. مساعدة الطفل عن طريق شرح الحالة الموجودة فيه، وطلب المساعدة منه ومشاركته حتى يجتازها، ويعالجها.
  13. الابتعاد عن تناول الموالح، أو التوابل الحارة، وذلك حتى لا يصبح لدى الطفل التهاب في المثانة، وبالتالي تزداد عدد مرات التبول.
  14. الحرص على إسعاد الطفل قدر الإمكان؛ لأنّ معظم الأطفال الذين يعانون من التبول الليلي يشعرون بالإحراج وقلة الثقة بالنفس.

ومن الضروريّ مُراجعة الطّبيب عند المُعاناة من التبوّل اللا إراديّ لـتلافي الإصابة بالمُضاعفات الجانبيّة لبعض الأدوية أو نتيجة للقلق والتوتّر.

ثانيًا: العلاج الدوائي

الطبيب هو الوحيد المخول له كتابة الأدوية، فلا يجوز للأهل بأي حال استخدام الأدوية دون الرجوع للطبيب.

نلجأ لاستخدام أدوية التبول اللا إرادي بعد استخدام الأساليب السلوكية وعدم الاستجابة لها بشكل كاف، وعلينا أن نعرف جيدًا: لا يجوز للأهل استخدام الأدوية دون الرجوع للطبيب، لذلك في حال لم تستطيعي عزيزتي الأم حل مشكلة التبول لدى طفلك، لا تترددي باستشارة الطبيب المختص على الفور، وهناك العديد من الأدوية تمت دراستها وتجربتها في هذه الحالات ونتائجها متباينة مثل:

  1. عقار تفرانيل وهو يؤدي إلى تقليل عدد مرات التبول، ولعل تأثير هذا العقار يرجع إلى تعديل نمط النوم والاستيقاظ وإلى مفعوله المضاد للأستيل كولين في عمله على المثانة البولية.
  2. عقار «منيرين minirin» الذي يستخدم في حالات التبول اللاإرادي الأولى، حيث إنه يعمل كشبيه لهرمون التحكم في إفراز البول مما يقلل من كمية إفراز البول أثناء النوم حيث ثبت أنه في حالات التبول اللا إرادي الأولى يكون مستوى هرمون التحكم في إفراز البول ليلًا أقل من المستوى الطبيعي مما يسبب كثرة إفراز البول وحدوث التبول الليلى اللا إرادي . وقد وجد أن نسبة الشفاء تصل إلى 80% عند حسن استخدام الدواء للمريض المناسب وبالجرعة المناسبة.
  3. بعض الأنواع من الأدوية التي تعمل إمّا على زيادة كميّة البول التي تستطيع المثانة استيعابه، أو على تقليل كميّة البول المطروحة من الكليتين، وأبرز هذه الأدوية دواء دديزومبريسين

ثالثًا: العلاج العُشبي (بالأعشاب)

الحقيقة أن الأعشاب التي تعالج أمراضًا مثل التبول اللا إرادي عند الأطفال بعضها ثبتت به دراسات علمية، والآخر تمت تجربته على نطاقات صغيرة وأثبتت فعاليتها والآخر استعمل لما له من فوائد صحية متعددة معروفة، ومنها:

العسل: تفيد ملعقة من عسل النحل بشكل عام في مكافحة الباكتيريا المتسببة في التهاب المسالك البولية UTIs، وقد أظهر فعالية واسعة مضادة للبكتيريا، فينصح بملعقة صغيرة من العسل لمكافحة أطياف واسعة من البكتيريا قد تتسبب في مشاكل التهاب المسالك البولية.

الفلفل الحار في الطعام: وذلك للحصول على الحرارة، وقد وجدت تجربة صغيرة في تايلاند تفيد أن الفلفل الحار يساعد على الذهاب لدورات المياه بصورة أقل وتتحكم في التسريبات، ولها أثر سلبي واحد: مثل الألم والتهيج.

الزنجبيل: يحمص الزنجبيل حتى يصبح مثل القهوة ويسحق ويمزج مقدار عشرة غرامات مع أوقية عسل فيؤخذ مقدار ملعقة قبل النوم كل ليلة لمدة خمسة عشر يومًا.

الأملج: يستخدم الأملج أو عنب الثعلب الهندي في علاج التبول أثناء الليل، ويكون ذلك بهرس لبه، ومزجه مع ملعقة كبيرة من العسل ونصف ملعقة صغيرة من الكركم، ثمّ تناول الخليط، وبالإمكان أيضاً خلطه مع القليل من الفلفل الأسود، وتناوله قبل النوم.

وهنا يجب على الأسرة أن تتعامل مع هذه المشكلة بطريقة صحيحة، لأنّ التعامل معها بشكلٍ غير لائق سيشعر الطفل بالخجل، والإحراج، وتهتز ثقته بنفسه، وبالتالي يتجنب التعامل مع الآخرين، ويشعر كأنه وحيد ومنبوذ من الجميع، ومن أخطر الأمور التي يمكن أن تحدث هي سخرية أفراد الأسرة منه، وفي هذه الحالة يصبح الطفل عنيفًا حتى يستطيع فرض شخصيته، وإثبات وجوده ولو بالقوة والصوت المرتفع.

فعليك عزيزتي تعزيز الثقة بالنفس لدى طفلك، وتوفير بيت هادئ ومستقر له وتعليم سلوكيات صحيحة والالتزام بها ومتابعة طبية دورية، وبذلك تعالجي هذه المشكلة وتطمئني على طفلك.