الصديق الخيالي: كيف تتعامل معه ومتى يشكل خطرًا؟

طفل، صديق خيالي

إذا لم يكن منزلك مسكونًا ووجدت طفلك يتحدث ويضحك مع كائن غير مرئي، يطلق عليه اسمًا وربما يعرف أفراد عائلته، يصرخ فيك لأنك تجلس مكانه أو كدت تدهس قدمه، كيان مبهم له مقعد في السيارة وعلى السفرة، يسكب الحليب ويبعثر الألعاب، قد يكون إنسانًا أو حيوانًا أو صخرة متكلمة أو حتى كائنًا خرافيًا، يمكنك رؤيته إذًا تجسد في دمية أو دب محشو، ربما يكون أكثر من شخص، قد يكونون أخوة.. عائلة.. أو حتى مدينة كاملة، تأكد أنه صديق طفلك الخيالي؛ شخصية غير مرئية يتم ذكر اسمه والإشارة إليه أثناء الحديث مع الآخرين أو اللعب معه لمدة لا تقل عن عدة أشهر، يتسم بأجواء واقعية بالنسبة للطفل، ولكن دون أساس موضوعي واضح، تندرج الدمى والألعاب تحت قائمة الأصدقاء الخياليين إذا كان الطفل يعاملها كشخصية مستقلة، وقد يستوحي الطفل صديقه الخيالي من كتابه أو فيلمه المفضل.

تقمص الأدوار في اللعب يمارسه كل الأطفال تقريبًا واتخاذ الأصدقاء الخياليين ظاهرة طبيعية تحدث لحوالي ثلث الأطفال في سن ما قبل المدرسة نتيجة تمتعهم بخيال خصب وتمتد أحيانًا لسنوات المدرسة المبكرة، بل قد تستمر حتى فترة المراهقة، ويميل الطفل البكر أو الوحيد أو الذي فقد أحد الوالدين إلى ابتكار الأصدقاء الخياليين أكثر من غيره، كما تسود الظاهرة في الفتيات اللاتي يتميزن غالبًا باتخاذ صديق غير مرئي أكثر من الأولاد الذين يميلون إلى تقمص الشخصية الخيالية بشكل أكبر.

الأدوار التي يلعبها الصديق الخيالي

في العادة لا يتخذ الأطفال الأصدقاء الخياليين بدلاء عن أصدقائهم ولكنهم يلبسونهم أدوارًا مختلفة، فتارة يلعب دور الأخ أو المعلم أو الأم، وتارة يصبح مرآة الطفل حيث يُسقط عليه مشاعره ومخاوفه ويعبر عنها من خلاله.

وأحيانًا يلومه ويوبخه على الأخطاء التي يرتكبها كما يوبخه والداه ممثلًا مرحلة انتقالية ما بين الرقابة الخارجية المتمثلة في الوالدين والرقابة الداخلية المتمثلة في الضمير الذي لم يكتمل تطوره بعد.

هل يختلف الأطفال ذوو الأصدقاء الخياليين عن سواهم؟

ممارسة الأطفال للعب الأدوار ظاهرة طبيعية وصحية، بعض الأطفال يتمتعون بمخيلة خصبة بحيث يمتد لعب الأدوار إلى شخصيات ابتكرها خياله وخلق لها قصة وظروفًا وأحداثًا وحوارًا ورسم ملامحها الشكلية والنفسية بل وأحيانًا يمنحها الاستقلالية ويختلف معها، يقوم بدور المؤلف والمخرج والممثلين والنقاد أيضًا في عالم مواز من الإبداع والخيال مما يجعله مميزًا في عدة جوانب إدراكية وعاطفية واجتماعية:

1. القدرة على التمييز بين الواقع والخيال

بشكل عام لا يستطيع الأطفال التمييز بين الواقع والخيال بشكل كامل قبل سن 5 سنوات، ولكن قد تتطور هذه المَلَكة أسرع لدى الأطفال ذوي الأصدقاء الخياليين، رغم ميلهم لعالم الخيال فإنهم قد يستطيعون التمييز بينه وبين الواقع أفضل من الأطفال الآخرين كما يستطيعون التمييز بين الصديق الخيالي والصديق في الواقع؛ على عكس المتوقع فإن انخراطهم في عالم الخيال بشكل أكبر يجعلهم أكثر قدرة على فصله عن الواقع.

2. المهارات اللغوية

يتمتع الأطفال ذوو الأصدقاء الخياليين بمهارات لغوية متقدمة عن سواهم، ذات قاموس مفردات أثرى وقدرة أكبر على سرد القصص الخيالية أو سرد أحداث حقيقية حدثت في الماضي، نتيجة لقيامهم بدور المؤلف والسيناريست أثناء لعبهم الخيالي، مما قد يساهم في سهولة تعلم القراءة.

3. التواصل والمهارات الاجتماعية

في الحالات الطبيعية لا يؤثر الصديق الخيالي سلبًا على قدرات الطفل الاجتماعية، بالعكس يساعده على التغلب على الخجل والحساسية ويجعله قادرًا على التعاطف مع الآخرين والتناغم معهم كما يصبح أكثر انفتاحًا وتعاونًا، حتى أكثر الأطفال خجلًا يتمتع بمهارة حل المشكلات بفضل تفاعله مع الصديق الخيالي، يتميز المراهق ذو الصديق الخيالي بالإبداع والكفاءة الاجتماعية والقدرة على التأقلم بشكل أفضل.

كما يمكن للأطفال ذوي الأصدقاء الخياليين وصف أصدقائهم في الواقع على أساس صفاتهم العقلية والنفسية أكثر من الصفات الشكلية، وهي مهارة يتميزون بها بشكل أكبر من الأطفال الآخرين.

4. الاستقلالية والمهارات القيادية

يتيح الصديق الخيالي للطفل فرصة لممارسة استقلاليته وقدرته على القيادة والتحكم في بيئته من خلال توجيه قواعد اللعبة ورسم السيناريوهات المختلفة، حتى أنه قد يضطر للتخلص منه أو إخفائه إذا فقد التحكم فيه؛ مثال: إذا قمت بادعاء أن الصديق الخيالي فعل أمرًا ما من وحي خيالك وليس خيال الطفل ولم يكن الطفل طرفًا في القصة، قد تتفاجأ بتخلّص الطفل من هذا الصديق.

متى يصبح الصديق الخيالي مصدرًا للقلق؟

بالرغم من كون الصديق الخيالي ظاهرة صحية لا تدعو للقلق فإنها قد تنقلب إلى العكس تمامًا في بعض الحالات، فقد يرتبط وجود الصديق الخيالي بالوحدة والصدمات أو الأزمات النفسية وحتى بعض الاضطرابات الانفصامية، لذلك يجب الانتباه إذا كان الصديق الخيالي يعوق علاقات الطفل الاجتماعية ويمنعه من التواصل مع الآخرين أو إذا كان يؤثر سلبًا على سلوكه وقدراته الإدراكية واللغوية، أو إذا كان الطفل يمر بظروف غير مستقرة أو تعرض لصدمة نفسية، أو غير مدرك أن الصديق الخيالي ليس حقيقيًا خاصة لو تجاوز سنّه الخمس سنوات، في هذه الحالات يجب اللجوء للمتخصصين سواء الطبيب النفسي أو أخصائي تعديل السلوك.

كيف تتعامل مع أصدقاء طفلك الخياليين؟

عالم الطفل الخيالي مرآة مشاعره ومخاوفه ومجال تنمية قدراته ومهاراته المختلفة وتذكرته لعالم المبدعين في الكبر، من الظلم إنكار خياله ومطالبته بالنزول إلى أرض الواقع، دعه يحلّق قليلًا قبل أن تضطره الحياة للهبوط في ميدان المعركة ويمكنك أن تأخذ استراحة محارب وتحلّق معه أيضًا، ستساعدك النقاط التالية على إبقاء الأوضاع تحت السيطرة:

1. اطرح الأسئلة

الصديق الخيالي هو صورة الطفل، يشعر بما يشعر به الطفل ويعاني من نفس مخاوفه ولديه نفس رغباته، مناقشتك مع الطفل حول الصديق الخيالي والإنصات جيدًا لإجاباته يساعد على تكوين صورة أوضح عن مشاعره قد لا يمكنه التعبير عنها بشكل مباشر: «تفتكر صاحبك حاسس بإيه دلوقتي؟ يا ترى ليه وصله الإحساس ده؟ يقدر يعمل إيه علشان يكون أحسن؟ إحنا نقدر نساعده إزاي؟».

2. اشترك في اللعبة

إذا طلب منك طفلك أن تحجز مقعدًا لصديقه الخيالي على السفرة أو في السيارة أو تشترك معهما في اللعب لا تكن واقعيًا واشترك معه إذا أمكن ذلك، وجودك كطرف في اللعبة يساعدك على التواصل مع طفلك ووضع الحدود لسلوكه عند اللزوم.

3. لا تسمح بتجاوز الحدود

وضع الحدود مهم لنمو الطفل النفسي وإحساسه بالأمان حتى مع محاولاته للتمرد عليها، لا تسمح لطفلك باتخاذ صديقه الخيالي ذريعة لكسر الحدود الموضوعة له، الحدود غير قابلة للنقاش وصديقه الخيالي لا يمكنه السماح له بتخطيها: «مليش دعوة إذا صاحبك عايز يسهر، معاد نومك جه».

4. من أفسد شيئًا فعليه إصلاحه

يميل الأطفال لإلقاء اللوم على أصدقائهم الخياليين عند ارتكاب الأخطاء، لا تقبل بإلقائه اللوم على غيره، وضّح له أن الصديق خيالي ولا يمكنه فعل ذلك واطلب منه تحمل نتيجة أفعاله وإصلاح خطئه: «هو ميعرفش يدلق اللبن، تفتكر ممكن تنضف المكان إزاي؟».

5. تكلم حتى أراك

قد يستخدم الطفل الصديق الخيالي للتعبير عن مشاعره ومخاوفه ورغباته ولكن عندما يتمادى في التعبير عن نفسه من خلال الصديق الخيالي ويتحدث دائمًا بلسانه ويطلب رأيه في كل صغيرة وكبيرة، اطلب منه أن يرد بشكل مباشر ويتحدث عن نفسه وليس عن صديقه: «أنا عايز أسمع رأيك إنت مش رأيه هو».

6. الطلبات المبالغ بها

قد يبالغ الطفل في طلباته الخاصة بصديقه الخيالي كفتح الباب أو إحضار لعبة أو تحضير وجبة أو مشروب، بدلًا من تلبية كل طلباته شجعه على أن يساعد صديقه بنفسه لدعم الاستقلالية والاعتماد على النفس.

يساعد الصديق الخيالي الطفل على الإبداع وتطوير مهاراته اللغوية والإدراكية وقدرته على حل المشكلات وحتى الاندماج مع أسرته وأصدقائه بشكل أفضل، كما يمكّنه من التعبير عن نفسه والتعاطف مع الآخرين، لا داعي للقلق من هذه الظاهرة طالما كان الطفل يستطيع التمييز بين صديقه الخيالي والأشخاص الحقيقيين ولا يميل لخلط الواقع بالخيال، معظم الأطفال يدركون بالفعل أن صديقهم الخيالي ليس حقيقيًا مهما بدوا متفاعلين معه إلى درجة الخلاف والخصام أحيانًا، مشتركين في ذلك مع بعض الكتّاب الذين اعترفوا أنهم يعانون أحيانًا من خروج شخصيات رواياتهم عن سيطرتهم أثناء كتابتها.

لا مانع أن يعيش أطفالنا في مدن الخيال حيث تطير الزرافات بأجنحة صغيرة في السماء البرتقالية ويمشي السمك على الأرض البنفسجية ويأكل الفيل الحلوى من على الأشجار مع أصدقاء خياليين من سكان المدينة يقبلونهم دون أحكام ويلعبون معهم وفقًا لشروطهم ويغيرون هيئتهم حسب أمزجتهم، طالما يزورون المدينة وهم مدركين الفرق بين العالم داخل أسوارها وخارجها، ربما يخرج من أبواب الإبداع كاتب أو موسيقي أو رسام يغير وجه الواقع، ولا مانع أن نتسلل معهم إلى داخل أسوار المدينة من آن لآخر.