كيف أدرب طفلي على الإلتزام في صلاة التراويح؟

طفل، صلاة، تراويح، رمضان

يأتي رمضان على شوق ينتظره المسلمون، ومع اقترابه يبدأ الجميع بالبحث عن أئمة المساجد ليختاروا المسجد الذي يصلون فيه التراويح. ومن أهم معايير البحث أن يكون الإمام ذا صوت ندي يساعدهم على الخشوع، وأن يصلي بجزء كامل في الليلة. والأمهات كذلك، يتمنين لو تستطعن الانضمام لصفوف المصلين في المساجد في التراويح. وتعلو دعوات بتقبل الأمهات وأطفالهن في المساجد، وتقابلها دعوات أن “قرن في بيوتكن” وصلين فيها ولا تزعجن الآخرين بأصوات أطفالكن. وكلا الفريقين على حق.

المسجد مركز المسلمين

كان المسجد هو الملتقى الأساسي للمسلمين، فيه يجتمعون للصلاة وتنظيم شئون حياتهم، كانت تُدار دولة مترامية الأطراف من داخل المسجد، كما كان ساحة ليتشارك المسلمون أفراحهم وأحزانهم، ومدرسة يتعلم فيها الكبار والصغار دينهم ويتلون آيات كتاب ربهم.
كذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد صلى وهو يحمل حفيدته أمامة، فكان إذا ركع وضعها وإذا قام حملها (1)، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزجر امرأة جاءت بطفلها إلى مسجده، ولا طرد طفلاً حتى وإن أخذ يلعب، بل إنه أطال في سجوده مرة حتى ظن الناس الظنون، فلما سلَّم سألوه فأجابهم “كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته”.
وعليه فقد أفتى بعض العلماء بعدم جواز منع الأم والأطفال من ارتياد المسجد والصلاة فيه بشكل عام. ومن الأفضل أن يعتاد الطفل ارتياد المساجد وأن نعينه على التعلق بها، عله ينشأ في طاعة الله وقلبه معلق بالمساجد.

في التراويح

صلاة التراويح هذه الأيام قد تمتد لساعات، وهو ما قد لا يطيقه البعض من الكبار ذوي القوة، فيجلسون بين الفينة والأخرى للاستراحة، ثم يواصلون صلاتهم مع الجموع. فكيف بالطفل نتوقع منه تحمل هذه المدة والبقاء جالساً ساكناً.
الأطفال بطبيعتهم قليلو الصبر كثيرو الحركة والجلبة ملولون، وهذا يتطلب من الأم أن تبدع وتبتكر في طرق تعليمهم وملاعبتهم. وهذا لا يجتمع مع صلاة التراويح بكيفيتها الحالية في المساجد. فلابد للطفل من أن يمل ويبحث عن وسيلة للتسلية أو يطلب العودة للمنزل؛ ومع هذه اللقطة يبدأ تذمر المصلين من جلبة الطفل وحركته، بل إن البعض لا يتحمل صوت لعب الطفل بجانب أمه ولو كان هادئاً.

الأولى في هذه الحالة أمران، إن تيسر للأم أن تصلي في مسجد يخصص ساحة للأطفال أو للأمهات القادمات بأطفالهن، الأمر الآخر هو أن تتخفف في صلاتها، فلا تلتزم بكافة الركعات مع المصلين، صلاة التراويح سنة لم يلزمنا النبي بعدد لها إلا أن قال «مثنى مثنى»، فالأفضل للأم أن تصلي مع الجماعة بعض الركعات ثم تنصرف إلى بيتها فتكمل ما استطاعت.

في المسجد

إذا أردنا أن نصطحب طفلاً إلى المسجد وقت الصلاة، فلابد من أن نراعي أن هناك غيرنا من أراد أن يحضر صلاة الجماعة ويسعى للخشوع فيها، وعليه فيجب أن يصل الطفل لمرحلة يستطيع فيها الالتزام ببعض الأمور المهمة داخل المسجد:

  • التزام الصمت والهدوء لبعض الوقت الذي يكفي لأداء الصلاة – سواء الفرائض أو الجمعة أو التراويح.
  • تنفيذ ما يطلبه منه ولي أمره بسرعة – مثل التحرك السريع لإتمام الصفوف، أو خفض الصوت أو غير ذلك.
  • البقاء في المكان الذي حدده له ولي أمره دون التمشي في المسجد.

كما ينبغي على الأم أو من يصطحب الطفل للمسجد أن يضع في اعتباره بعض الأمور:

  • كأن تكون مدة البقاء في المسجد مناسبة لعمر الطفل – طفل في السنتين من عمره غالباً لن يستطيع البقاء صامتاً جالساً طوال مدة صلاة التراويح مثلاً.
  • تهيئة الطفل بشرح ما المكان الذي سيذهب إليه وما يجب أن نفعله، والاتفاق معه على بعض القواعد.
  • اصطحاب قصة أو نشاط للطفل يستطيع ممارسته في هدوء أثناء الصلاة إذا كانت طويلة – كصلاة التراويح أو الجمعة، مع مراعاة أنه مع تقدمه في العمر –7 سنوات فأكبر – لن يمارس أنشطة وقت الصلاة، فنزوله المسجد إنما هو للصلاة بالتحديد.

التعامل مع المصلين

رغم كل الاستعدادات التي قد تتخذها الأم وتهيئة الطفل والتزامه، قد يتوجس المصلون خيفة من وجود الطفل وقت الصلاة، يمكن للأم أن تخفف من حدة الموقف بأن تحضر مع طفلها بطاقات صغيرة لوجوه مبتسمة أو تمرات مغلفة يوزعها الطفل على المصلين المجاورين، وأن تراجع معه الأم القواعد التي اتفقا عليها بصوت مسموع لمن بجانبها – كوسيلة لكسب المصلين لصفها والطفل.

ورغم كل ما سبق، قد نجد بعض المصلين الذين يرفضون وجود الطفل داخل المسجد أو في ساحة الصلاة دونما سبب منطقي، في هذه الحالة يكون لدى الأم حلان:

  • التحضر لمثل هذه المواقف والتفكير في ردود دبلوماسية تقولها، تحفظ كرامتها وكرامة طفلها وتكسب تعاطف الآخرين إن أمكن.
  • تجاهل المتكلم قدر المستطاع والانشغال بالعبادة حتى انقضاء الوقت – المناسب لسن الطفل، ويمكنها أن تغير مكانها وطفلها بعيداً عن المعترض، مع التأكيد على الطفل أن من حقه دخول المسجد والبقاء والانضمام للمصلين.

التدريب على آداب المسجد

الأولى في كل الأحوال، أن نحاول تدريب الطفل على احترام المسجد والتزام على مدار العام قبل أن نصطحبه لصلاة التراويح، فنصحبه للمسجد في الصلوات المفروضة، ثم نتدرج فيحضر صلاة الجمعة. فإن لم يتيسر إلا حضور الجمعة فنبدأ بها. مع مراعاة أن يكون الطفل ومن معه بقرب الباب، بحيث لا يزعج صوته الآخرين إن تكلم أو تحرك.

كذلك نتحدث مع الطفل عن فعل الرسول الكريم مع الأطفال في المسجد، وكيف أنهم لما كبروا صاروا يحترمون المسجد، ومن أخلاق المسلم في المسجد كذا وكذا، وأننا إن التزمنا بذلك فليس من حق أحد أن يمنعنا من دخول المسجد والصلاة فيه.
لا يستقيم الحال إلا أن تقبل كل منا الآخر، للأم حق في ارتياد المسجد مع أطفالها، ومن حق الآخرين أن نراعيهم ونراعي حقهم في الخشوع وقت الصلاة.