قلق الامتحانات: كيف نتعامل معه ونعالجه؟

امتحانات، دراسة، مذاكرة

ما إن تقترب الامتحانات النهائية إلا وتظهر معها مشاعر سلبية ما بين ملل وخوف واضطراب، قد يتطور الأمر لظهور أعراض جسدية. كيف نساعد أبناءنا على المرور من هذه الفترة المؤقتة بسلام نفسي دون آثار سلبية تعلق بأذهانهم وتترسخ في نفوسهم، بل نجعلها من ذكرياتهم الجميلة، وتزداد ثقتهم بأنفسهم وحبهم للكتب وللدراسة بدلًا من النفور منها؟

الأمر يحتاج مناقشتهم لتحديد مشاعرهم بدقة؛ ومن ثم نتفهمها ونحترمها ولا نطالبهم بتجاهلها، بل نشجعهم على التصريح بها والتعبير عنها ومشاركتها معنا، ونقف على المصدر الرئيسي لها كي نستطع معالجتها العلاج الأنسب، وقد تتعدد المصادر.

إليكم أمثلة وردود مقترحة يمكنكم طرحها على أبنائكم.

هل شعور الابن هو الخوف؟

فلننظر إذن هل الخوف في حجمه الطبيعي الذي يدفع لمزيد من السعي والحرص على النجاح؟ أم خوف يقعده عن العمل ويشل حركته ويسيطر عليه تمامًا؟ عليه أن يدرك أننا بلا استثناء لدينا مخاوف حتى وإن لم نصرح بها، لكننا لا نعطيها حق قيادتنا؛ خاصةً أنها غالبًا تكون مخاوف مزيفة، والدليل هو عندما خضنا الأمر الذي كنا نخافه لم يحدث لنا مكروه، كلها كانت مجرد أوهام وظنون، ولا يوجد خطر حقيقي يهدد حياتنا مثلًا كي نقع في هذا الرعب.

مم يخافون إذن؟

في الغالب نجد فكرة أو عدة أفكار سلبية تتجول في أذهانهم وتسيطر على عقولهم، سنحاول تبديدها واستبدالها بفكرة إيجابية، مثلًا:

الخوف من الفوات

يخاف الابن فوات كليات القمة – كما يُرَوج عنها – والسؤال هنا: لماذا يسعى أغلب الطلاب لكليات الطب والصيدلة أو الهندسة، وكأن مجالات الحياة انعدمت سوى من تلك الكليات! بل إذا نظرنا في حال أغلب المشاهير على مر العصور سنجدهم برعوا في مجالات أخرى غيرها، والعجيب أن هناك تخصصات هي من الأهمية بمكان نجدها برغم أهميتها في ذيل القائمة، مثلًا كليات الزراعة لا تأخذ وضعها في بلد تعد زراعية بالدرجة الأولى!

بني العزيز: إذا كنت تسعى لتحصيل علم معين ترى أنك شغوف به، فستجد أكثر من طريقة توصلك إليه في ظل عالمنا المفتوح لأقصى حد تتخيله، فكونك التحقت بهذه الكلية أو تلك هذا لا يعني بالنسبة لك نهاية المطاف، باب العلم مفتوح على مصراعيه لطالبيه، وستجد أغلب الشخصيات البارزة المؤثرة أبدعت في مجال غير مجال تخصصها، وقد تكتشف أن الشيء الذي فاتك كان سيمثل عليك عبئًا ثقيلًا يعطلك عن التقدم في باقي مناحي الحياة.

ثق أنك ستصل لأنسب مكان لك، وحاول استثمار هذا المكان لصالحك بقدر استطاعتك، فأي شيء تتعلمه يمثل إضافة لك تستطيع توظيفه وتستفيد منه، والدليل على ذلك إذا نظرت في حال من قاموا بتغيير مجال عملهم من طب وصيدلة وهندسة إلى مجالات قريبة أو بعيدة الصلة بتخصصهم، معظمهم يؤكدون أن دراستهم السابقة أفادتهم كثيرًا، وأنهم غير نادمين على السنوات التي قضوها فيها رغم قرارهم بممارسة شيء آخر.

الخوف من الإجبار

بعض الأبناء يخافون ضغط الأهل ودفعهم للالتحاق بكلية لا يرغبون فيها، أو منعهم من الكلية التي يحبونها.

أولًا- عليك بني ألا تهتم لهذا الأمر الآن، وقم بالتركيز على عملك المطلوب منك في الوقت الراهن، وبعد مرور امتحاناتك بسلام تستطيع مناقشتهم بكل أدب واحترام.

ثانيًا- بالتأكيد يتمنى الآباء والأمهات السعادة لأبنائهم، فكيف يفرضون عليهم أمرًا لا يطيقونه؟ فلنسأل أنفسنا كيف سيسعد الابن في مجال خارج نطاق اهتمامه؟! دعونا نفكر بصدق إن كنا ندفعه لمجال بعينه هل لنحقق حلمًا قديمًا لم نستطع تحقيقه في صغرنا، ونأمل أن يحققه لنا الابن؟ لماذا نحمله مسئولية تحقيق شيء عجزنا عن تحقيقه؟ أم أن لدينا رغبة أخرى دفينة لا علاقة لها برغبته؟

إذا كان الجواب: لا نريد إلا سعادته ومصلحته ونحن أدرى بها منه، فلماذا نحصر سعادته في التحاقه بكلية معينة دون غيرها، ما الذي أكد لنا أن سعادته مرتبطة فقط بدخولها، وهل من مصلحته أن نقوم بإلغاء شخصيته ونفكر ونقرر بالنيابة عنه، متناسين أنه إنسان بالغ عاقل له إرادة حرة  ومسئول عن قراراته وسيتحمل نتيجتها أيًا كانت؟! نحن ببساطة نحرمه أحد أهم حقوقه كإنسان، وهو حق الاختيار.

ومن البديهي أن الإنسان إذا أحب مجالًا وكان مهتمًا به فسينجح فيه ويستثمر قدراته بأقصى درجة راغبًا لا مرغمًا، والنقيض قد يحدث في حال دخوله مجالًا لا يريده، حينها سيخضع لضغط شديد من أجل أن يحقق نجاحًا كي يرضينا، رغم أن بداخله كراهية لوضعه وشعورًا بالقهر لاضطراره خوض أمر لا يستسيغه، وقد لا يصبر، حيث يرى أنه يضيع سنوات من عمره من أجل لا شيء فيقرر تحويل مساره.

هناك أعراف وقيود فرضت من المجتمع لا يجب الاستسلام لها في كل وقت، ونحتاج للتحرر منها؛ فمخالفتها لا تعد مخالفة للشرع ولا للعقل، وتلك النظرة المجتمعية القاصرة لن تفيد الابن إذا تنازل عن المجال الذي يناسب رغباته وقدراته من أجل الكلية ذات الاسم اللامع، فيجد نفسه كالغريق لا يدري كيف يتخطاها ويحقق فيها نجاحًا يُذكَر؛ لذا فلندافع عن حلمه ونقدم له الدعم لتحقيقه.

الخوف من المستقبل المجهول

لا أستطيع تحديد ما الذي أريده، وما الذي سأفعله بعد الامتحان، أخشى أن أدخل كلية لا تناسبني، أو لا أجد عملًا جيدًا وأصاب بداء  البطالة.

ليس من الحكمة بني أن نضيع حاضرنا المعلوم مقابل شيء مجهول، لكن تأكد أن هناك سنة كونية تقتضي أن من بذل الجهد وأحسن العمل سيحصد ثماره وتتحقق له الفائدة حتى لو لم تكن بالشكل المتوقع أو المعتاد، تأكد أن جهدك لن يضيع هباءً.

الخوف من الفشل أو ضعف الأداء في الامتحان

بني الغالي: طالما تحققت لديك الرغبة في النجاح، والأخذ بأسبابه فلم الخوف؟ الأصل أن من ذاكر واجتهد حقق النجاح، إلا أن يشاء الله أمرًا، فثق حينها بأن اختياره لك هو الأصلح لحالك، تفاءل واجعل نظرتك لنفسك أنك تستطيع تجاوز الأمر، ما عليك الآن إلا السعي فقط، واعترافك بشعورك لا يعني الحكم على ذاتك، فهناك فرق بين أنا أشعر وأنا أكون، فكر في الخطوات العملية التي ستفعلها للتغلب على هذا الشعور وتحقيق المرغوب، مع العلم أن تحقيق الهدف يبدأ بتحقيق نجاحات يومية صغيرة، فالإخفاق يتبدد مع بذل المجهود.

وعلينا نحن الآباء عدم التلفظ بأي تعليقات سلبية من قبيل أنك بهذه الطريقة لن تنجح، أنت تضيع الكثير من الوقت وستندم، لن تفلح .. إلخ، فمثل هذه العبارات كفيلة بأن يصدقها ويقوم بتحقيقها لا إراديًا. كذلك تجنب مقارنته بزميله أو قريبه أو حتى أخيه، فلن نحصد سوى الغيرة المذمومة.

الخوف من عدم القدرة

لقد قصرت في مذاكرتي هذا العام، لم يتبق لدي وقت كاف للإلمام بالمنهج.

أول خطوة مطالب بها الآن بني أن تتقبل ذاتك وتتجنب جلدها، اعترافك بخطئك لا يعني الحكم على نفسك بالفشل، الإنسان بطبعه خطاء وليس ملاكًا، فعليك تقبل خطأك كجزء من نفسك، لكنك مطالب بألا تستمر فيه وتستسلم له، وإنما تتعلم منه وتستثمره لصالحك، فتكون دائم التقييم ومن ثمّ التقويم لنفسك، وتتخذ خطوات لتغيير الوضع للأفضل. تذكر أن ما لا يدرك كله لا يترك كله، وحاول التركيز على أهم الموضوعات خاصةً التي تكررت في امتحانات العشر سنوات الأخيرة.

القلق من الآخرين

أخشى خيبة ظن أهلي ونظرة الناس إذا أخفقت في الحصول على مجموع كبير، ومقارنتي بزملائي.

بني الحبيب: تأكد أننا نثق باجتهادك وعدم تقصيرك وهذا كل ما نريده منك، فأنت بالنسبة لنا لست درجات في شهادة، ونحن نقدر ما بذلته من وقت وجهد. أما آراء الغير في شخصك لا ولن تدل عليك، هي ليست أحكامًا قاطعة يصدرونها عليك، انظر لنفسك بعيونك وليس بعيون الآخرين، سجل مميزاتك وإنجازاتك مهما كانت بسيطة، ولا تطلب رضا الناس؛ لأنها غاية لا تدرك، ولا تقارن نفسك إلا بنفسك، أنت تختلف عن الآخرين، فلكل منا تحدياته وطريق مختلف يصل به لأهدافه، أنت بتحدياتك قصة نجاح لها قيمة ومذاق مختلف عن أي قصة أخرى.

أخشى إعادة تجربة سابقة كانت مؤلمة

عندما نتعرض بني  لابتلاءات تجعلنا أقوى ولا تكسرنا، فإذا كنا خسرنا جولة بالماضي فقد ربحنا جولات بعدها. تجارب الماضي انتهت بالفعل ولا يوجد ما يدعو لتكرارها، ولا يجب أن نظل قابعين فيها ونجعلها تتحكم في حاضرنا، فبالتأكيد تعلمنا منها مهما كان الدرس قاسيًا، وكما قيل: إذا عرفنا كيف فشلنا نفهم كيف ننجح.

أنت الآن أكثر نضوجًا عما كنت في السابق، فأمسك أنت زمام حاضرك وأعد نفسك جيدًا للامتحان بحل بعض امتحانات الأعوام السابقة، وابدأ الحل من الأحدث للأقدم.

وكقاعدة عامة للتعامل مع أي من مظاهر الخوف السابقة يمكنك استخدام قاعدة الخمس ثوانٍ والمرساة.

قد تظهر لنا مشاعر أخرى خلاف الخوف، مثلًا يقول الابن:

أشعر بفقدان الدعم والأمان

لا تتردد بني في طلب العون والدعم من الله أولًا، ثم من أهلك وأحبابك، ولكن أذكرك بدورك في تقديم الدعم لنفسك. أحط نفسك بالرسائل الإيجابية قدر الإمكان، ضع أي شهادات أو جوائز وتذكارات حصلت عليها في مكان مذاكرتك، اكتب عبارات تحفيزية بخط واضح على لوحة أو ورق ملصقات ملون كي تنظر إليها عندما تتجول الأفكار الهدامة في عقلك ويساورك الشك.

أشعر بالملل وفقدان الحماس

تذكر بني هدفك وضعه نصب عينيك، فقد بات تحقيقه وشيكًا، مضى الكثير ولم يبق إلا القليل، والمتسابق حين يظهر له خط النهاية يزداد حماسًا وإصرارًا للوصول، وتذكر أن المشاعر تتبع الفعل وليس العكس.

أشعر بالضغط العصبي

انظر بني لتلك الضغوط على أنها تحديات، واعلم أن مذاق النجاح يكون ألذ وأقوى إذا جاء بعد تغلبك على عقبات واجهتك. نحتاج التغلب على البرمجة السلبية التي تحدث لعقولنا نتيجة ما نتلقاه من رسائل عبر التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي والأقارب حول فترة الامتحانات والتهويل منها وتضخيم حجمها لدرجة تجثم على صدورنا وتخنقنا.

ونحتاج أيضًا ممارسة الاسترخاء مرتين يوميًا، خطواته بسيطة لكن آثاره عظيمة

  1. اختر مكانًا مريحًا للجلوس بحيث تبسط قدميك تمامًا على الأرض وتدعم ظهرك جيدًا، وتجنب حدوث أي مقاطعات حتى ولو بأفكار تقفز لذهنك، اقطع التفكير فورًا وأعد توجيه انتباهك لعملية الاسترخاء. لا يفضل السرير تجنبًا للوقوع في النوم.
  2. ركز على تنفسك بعمق واستشعر الراحة في استماعك لصوت دخول وخروج الهواء، حدث نفسك داخليًا وقل لها: استرخي، تخيل الأفكار السلبية يتم طردها مع الزفير.
  3. قم الآن بقبض وبسط عضلات جسمك من أعلى لأسفل، بدءًا بعضلات الرأس حتى أصابع القدمين.
  4. أغمض عينيك برفق وتخيل باطن الجفن وكأنه شاشة عرض ترى فيها نفسك وأنت تنزل درجًا ثم تمشي على شاطيء أو تجلس في مكان ساحر، وحاول تتصور مزيدًا من التفاصيل من ألوان وأصوات الطبيعة حولك وحتى روائحها وملمس الرمل الندي أو العشب.
  5. عند انتهائك عد لخمسة ثم افتح عينيك وعد لعملك. يمكنك أيضًا تخيل نفسك وأنت تستيقظ يوم الامتحان سعيدًا مطمئنًا، تراجع سريعًا بهدوء، ثم تذهب للامتحان بكل ثبات، وتكتب الإجابات الصحيحة الوافية، وتسلم ورقتك بكل سعادة وثقة.

في كل الأحوال نحن نمثل لأبنائنا معنى السند والأمان والسكن؛ لذا علينا تقبل مشاعرهم والحرص أن يصل لأذهانهم ويستقر بوجدانهم أننا نحبهم بغير شروط، نحبهم في كل أحوالهم وليس فقط في حال السعادة والنجاح، وهذا سيتحقق إن وافقت أفعالنا أقوالنا، فلن يصدقوا محاولاتنا لتهدئتهم ونحن يعتصرنا القلق الذي يفيض على قسمات وجوهنا رغم محاولاتنا مداراته عنهم.