باتمام طفلك عامه السادس يدخل مرحلة جديدة تعلن عن احتياجات وطبيعة مختلفة، فها هو يترك طفولته الغضة لمرحلة قد تستمرمعه حتى عامه العاشر وربما الثاني عشر حسب بعض المصادر، يعتبر الكثيرهذه المرحلة بداية تلقي للعلم الأكاديمي بشكل حقيقي يحاول فيها الآباء أن يعطوا أبناءهم البدايات اللازمة لفتح آفاقهم على عالم العلم والتعلم.
دعونا قبل أن نبدأ نؤكد أن المستهدف فقط هو عملية التحصيل الأكاديمي فقط، بل إن هذه المرحلة امتداد لمرحلة الإعداد للحياة بشكل عام بما تحمله من مهارات، ثقافة، معرفة، فنون وأيضًا ترفيه، وخاصة أن معظم الأطفال يتعرضون لقسط وافر من الضغط بعد انخراطهم للحياة المدرسية، فعلى الآباء محاولة توفير بيئة أكثر توازناً وصحية بشكل مواز للمدرسة ولتعويض ما لم تغطه المدرسة، فنمو الطفل يتأثر بشكل كبير بالبيئة المحيطة وبالخبرات المختلفة التي يتعرض لها .
ينتاب الآباء حالة من القلق الشديد على مستقبل صغارهم التعليمي يصل إلى حد الهاجس، فيسرعون لمحاولة عمل مخططات وجداول مكتظة بالأنشطة والمواد الدراسية، قبل أن نقوم بدراسة طبيعة هذه المرحلة المهمة التي تعد جسراً بين مرحلة الطفولة التي وضعت فيها البذور حيث يكون قد اكتمل مخ الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة بنسبة قد تصل إلى 80% وبين مرحلة المراهقة التي نهيئه لها في مرحلة الطفولة المتوسطة.
خصائص وتحديات مرحلة الطفولة المتوسطة
قبل أن نبدأ بعملية التخطيط علينا أن نتعرف أولاً على ما يقدم عليه طفلك من مرحلة ومتطلباتها لكي نقوم بتخطيط مثمر فعال متفق مع تحديات المرحلة، فتطور نمو الأطفال يحدث من خلال سلسلة من الخطوات التي يمكن التنبؤ بها بشكل عام حتى وإن لم يكن هذا التطور بنفس الأسلوب والطريقة أو في نفس الوقت، كما علينا أن نؤكد أن عملية تطور الأطفال هي عملية ديناميكية ولا تتحرك في خط مستقيم، بل إن الطفل يتحرك خلال مراحل نموه المختلفة وفق وتيرته ونمطه الخاص جدًا.
نحاول هنا أن نورد ما يمكن أن يعتبره خبراء نمو الطفل توقعات عامة لما يمكن أن يحققه الطفل ما بين عمر السادسة وحتى العاشرة. فمرحلة الطفولة المتوسطة هي فترة يستكشف فيها الطفل من هو، ومن يريد أن يكون في المستقبل؟
يكونون مهاراتهم الأساسية في الحياة، العادات الصحية التي ستستمر معهم طوال حياتهم، يستعدون لمواجهة تحديات سن المراهقة والتغيرات الجسمانية، يكونون الصداقات ويشكلون موقفهم من العالم كما أنهم يأخذون خطواتهم الأولى نحو الاستقلال، تطور ونمو على جميع الأصعدة: المعرفية، الجسمانية، الوجدانية، الاجتماعية والتواصل.
وهنا على الأسرة أن تنتبه لدورها المحوري في هذه المرحلة من دعم كامل للوصول لأقصى درجات النمو والاتزان من خلال إنشاء بيئة إيجابية يشعر فيها الطفل بالراحلة والسلام والأمان تسمح بنمو طبيعي مثمر وناجح، وتزداد أهمية دور الأسرة بدخول الطفل للمدرسة حيث يتقلص الوقت النوعي الذي يقضيه الطفل مع أبويه عن السابق.
ما يُميز طفل هذه المرحلة
- مهاراته العقلية: يظهرفيها تطوراً سريعاً ملحوظاً، فلديه شكل من أشكال القدرة المعرفية التي تمكنه من التفاعل مع بيئته من خلال المنطق، فوفق فلسفة مونتيسوري إن عقل الطفل في هذه المرحلة هو عقل غض محدث يعمل بالتجرد والخيال حيث تتلاشى قوة العقل الماص بسرعة ويبدأ عصر الاستدلال العقلي.
- المهارات الوجدانية والاجتماعية: رغم ميله للاستقلالية فإنه لا يزال بحاجة لمتابعة الكبار أثناء الأنشطة التعليمية المختلفة لكي يتأكدوا أنهم يكملون مهامهم بالطريقة المناسبة، لم يمنعه ذلك من أن يكون لديه أحلام وتصورات ذاتية حول مستقبله.
كما أن في هذه المرحلة حسب فلسفة والدورف التعليمية يكون الطفل أكثر قدرة على الاستقبال القلبي للمفاهيم المختلفة، فهو غالبًا بوابة التواصل معه عن طريق قلبه ومشاعره، بالإضافة إلى قدرته تصبح أفضل لوصف الخبرات المختلفة التي يتعرض لها والتحدث عن الأفكار والمشاعرالمختلفة.
كما يهتم كثيراً بتكوين صداقات جيدة كما يسعى للعمل ضمن فريق عمل، فهو غالبًا ما يقلل من اهتمامه بنفسه في مقابل اهتمام أكبر بالآخرين فهو يسعى لكي يكون مقبولاً في مجتمعه الصغير والكبيرفهو يعطي اهتماماً كبيراً بالبيئة المحيطة به وبوضعه فيها.
يبدأ في رؤية العالم برؤية أقرب للكبار،كما يستطيع التمييزما بين وجهات نظر الآخرين عن وجهة نظره كما أن ليدهم قدرة أكبر على فهم موقعهم في هذا العالم،كما أن فلسفة شارلوت ميسون التعليمية ترى أن الأطفال في هذه المرحلة هم أفراد قادرون على التعلم والاحتفاظ ببناء أفكارهم الخاصة من الأشياء التي تم تقديمها من خلال البيئة المحيطة.
المهارات اللغوية
تصبح أكثر تطوراً على مدار السنة،كما وتزداد حصيلتهم اللغوية بسرعة ملحوظة، فاللغة تتجاوز نطاق التواصل لتأسيس قاعدة لعملية التعلم، بما في ذلك تنمية مهارات القراءة المستقلة، يتحول الأطفال إلى قارئين حقيقيين، فهم يطبقون خبراتهم في كيفية فك شفرة الكلمات غير المألوفة، يقبلون على القراءة بصوت عالٍ بقدر من الدقة والطلاقة والفهم.
المهارات الحسابية
يستطيع العد حتى الرقم 200، والعد العكسي حتى رقم 20 كما أن المفهوم العددي لديهم أكثر وضوحاً كما يستخدمون استراتيجيات أكثر تطوراً للتعامل مع مفاهيم الجمع والطرح، تطور ملحوظ في التعامل مع الأشكال الهندسية المختلفة لإنشاء تكوين أكبر كما أن هناك تطوراً كبيراً في مهارات البعد المكاني، فيمكنه تحديد موقعه على خريطة غرفته بشكل كامل.
المهارت الحركية الدقيقة
يظهر في منتصف هذه المرحلة القدرة على الكتابة بشكل واضح، كما تتطور لديه القدرة على الرسم بشكل أعمق وفيه تفاصيل أكثر كإظهار الأبعاد، الأحجام المختلفة والمجسمات ثلاثية الأبعاد، فقدرة الطفل الفنية تزدهر في هذه المرحلة تحديداً بجمعه بين مهاراته الفنية الدقيقة والخيال.
للمزيد من فهم طبيعة هذه المرحلة يمكنك الإطلاع على هذا الدليل التي قدمته وزارة الطفولة والشباب بمقاطعة أونتاريو Ontario بكندا لفهم أعمق لمرحلة الطفولة المتوسطة.
كيف تجعل خطتك ناجحة؟
قد تسبب كلمة تخطيط قدرًا من الإحباط لدى بعض الآباء فتاريخ هذا المفهوم مرتبط بأذهاننا إما بنجاح الخطة أو بفشلها،والفشل هنا أننا لم نلتزم حرفيًا بما وضعنا، لذا فلكي نجعل من التخطيط عملية يسيرة ومرنة قابلة للتطبيق هو أن نضع أهدافًا سنوية كبرى نقسمها لمجموعة صغيرة من المستهدفات الشهرية التي بدورها تنقسم إلى أهداف أسبوعية فتتحول إلى أنشطة يومية مرنة تتفق مع الخطة في إطارها العام.
ماذا يحتاج منا الطفل من السادسة وحتى العاشرة؟
يحتاج منا هذا الطفل أولًا تفهمًا عميقًا لطبيعة المرحلة كما سبق وذكرنا، فلكل احتياج مما سبق تعد أسئلة الوقت لدى هذا الطفل وعلينا أن نساعده لكي يجيب عليها، علينا عند البدء بالتخطيط لعام جديد أن نعي أن نضمن توازناً حقيقياً بين كل ما سبق، ولا نركز على جانب ونترك الآخر كما هو الحال في منظومة التعليم النظامي.
فالتركيز واضح على الجانب الأكاديمي دون غيره، فما علينا هو تتبع بعض المحاور التي قد تعيننا في عملية التخطيط:
- مراعاة طبيعة وميول، نمط طفلك في التعلم وخاصة في اختيار المواد العلمية التي تقوم بتقديمها له كما الانتباه لأسلوبك في تقديمها، انتبهوا للبدايات لأنها مهمة جداً في عملية التأسيس المعرفي للطفل وتقبله لفكرة التعلم، يمكنك ملاحظة نمط طفلك بقربك منه كما يمكن لهذا الدليل مساعدتك.
- هذه ليست بداية لنهاية مرحلة اللعب، فاللعب الحر مستمر مع طفلك وحتى فترات متأخرة من سن المراهقة، فأهمية اللعب تزداد يوماً بعد يوم لأنه يعتبر مدخلًا أساسيًا لكل الأطفال في كل عمليات التلقي المختلفة الأكاديمي منها وغير الأكاديمي.
- عليك أن تكون خطتك متوازنة وفق يوم دراسي منتظم الإيقاع ما بين المدرسة والقيام بالمهام الأخرى التي لا يغطيها اليوم الدراسي، فلا تغفل الجانب المعرفي، الاجتماعي، الجسماني، الوجداني والروحاني.
- علينا ألا ننسى الإهتمام بالجانب الروحاني الإيماني، فلتسعى لدعم طفلك بحياة روحانية دينية متوازنة، فالتعليم الديني أساسه الحقيقي المنزل.
- المرونة يجب أن تكون السمة الأساسية لخطتك، فكما سبق وذكرنا أن الخطة عليها أن تكون قابلة للتغيبر في أي لحظة،التطورالذي يحدث لأبنائنا في هذه الفترة سريع يمكن أن يسبق تصوراتنا فبالمتابعة والتغيير المستمرين نكون قد أنجزنا قدراً كبيراً من خطتنا.
- على هذه الخطة أن تكون منظقية،هادئة وغير ضاغطة لا على الآباء أو الصغار، فما نتمناه لهم كثير وكبير،ولكن، علينا أن نتذكر سويا أن الهدف الأول من عملية التعلم هم الإستنارة والسعادة والقدرة على السيطرة بشكل فعال و إيجابي على البيئة المحيطة وليست الدرجات النهائية أو التحصيل الدراسي التلقيني الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
- الاستعانة بمزج الفلسفات التعليمية، حيث تلبي كل فلسفة شغف ما لدى طفلك، فاختلاف فترات أطفالنا الحساسة يجعلنا نبحث لهم دائمًا عما يلبي شغفهم الدائم مما تقدمه الفلسفات المختلفة من مقاربات متنوعة في تقديم العلوم.
ماذا تقول الفلسفات المختلفة؟
مونتسوري
دليل موجه لمحتوى المنهج المناسب من سن 6 لـ9 سنوات وعليك أن تبجث عن كل درس بشكل منفصل، كما يمكن متابعة هذا الموقع حيث يحمل مجموعة كبيرة من الأنشطة الشارحة للدروس المختلفة.
والدورف
مصدر مفتوح لمنهج مقترح وفق فلسفة والدروف بدروس كاملة.
شارلوت ميسون
مخطط مجاني لدروس مختلفة وفق هذه الفلسفة ما بين التاريخ، الرياضيات، الطبيعة واللغة.
ريجيو إميليا
تقديم مميز للفلسفة يتيح لك إمكانية دمج مهاراتها وفق خطتك التعليمية،كما يقدم هنا نصائح مهمة لتطبيق فكرة الدمج.
- الرياضة والفنون باختلاف انواعها ليست رفاهية كما هو الحال بالمدرسة،بل هي محركات أساسية لحياتهم كبالغين في المستقبل، ففي هذه المرحلة تكون أجسام صغارنا مجهزة ومستعدة بشكل جيد لهذه الأنشطة الرياضية المنتظمة المختارة بعناية غالباً من الصغار أنفسهم، كما أن الطفل يختار بنفسه أيضًا نوع الفن الذي يريد الانغماس فيه، تعد ممارسة الرياضة و الفنون متنفسًا مهمًا للطفل كما أنها محفزات لسلامته الصحية والنفسية بالإضافة لكون الفنون بوابة مهمة لنمو قدرتهم على التعبير الشفوي وغير الشفوي.
- ابدأ بالتخطيط لتعليم ابنك حرفة يدوية لكي تستغل نمو مهاراته الحركية الدقيقة وسعيه للتواصل مع بيئته بشكل أفضل،فهذا يساعده على تنمية مهاراته الإجتماعية من خلال التفكير مع صغيرك في بداية مشروع خاص به حيث المهارات المتعددة في تجربة تعليمية حياتية فريدة من نوعها، إليكم أفكار لمثل هذه المشروعات هنا وهنا.
- انشئ لطفلك بيئة إيجابية لكي يمارس فيها علاقاته الاجتماعية بشكل آمن تحت رقابتك ولو كانت عن بعد، فللتنشئة الاجتماعية في هذه المرحلة دور مهم كما سبق وذكرنا.
- الحياة الثقافية من الأمور التي قد يهملها الكثيرون، و هي أن توفر بيئة اجتماعية تقليدية للأطفال بما يعزز من مشاعر الانتماء والهوية القائمة على الوعي بالحياة اليومية وفق هويتنا الخاصة التقليدية مما يدعم تطوراً قوياً للشعور بالذات والتي يتم التعبيرعنها فيما بعد من خلال الأشكال المختلفة للمسئولية المجتمعية.
حتماً سيتعلم صغارنا، لكن دون إهمال لتقوية إرادتهم الحرة،فإحترامنا لميولهم ولقدراتهم يساعدهم على نمو مثمر أكثر توازناً وإستفادة قصوى من رحلة التعلم التي لا يجب أن ندع صغارنا يعتقدون أنها تنتهي بحصولهم على ورقة مدون عليها أنه ناجح، فالنجاح معنى وليس مرادَا لحظيًا، والتعلم و النجاح أيضَا الرحلة، فلا ننسى أن الكنز هو الرحلة.