كم قلبًا يحتاج الوالدان كي يتسع لحب أطفالهما؟ كيف يمكن لقلب واحد الوصول لأقصى درجات الحب والتضحية والخوف والحماية في نفس الوقت؟ بل كيف يمكن لقلب أن يحبو ثم يمشي أو يبكي ويضحك وينادي بابا وماما؟
رغم كل ما نقدمه لأطفالنا من الحب والرعاية والتضحية، فإننا قد نقصر أحيانًا دون قصد أو نبالغ في حمايتهم ومنعهم من الاستكشاف واللعب بحرية بالتالي تطوير مهاراتهم الإبداعية وقدراتهم على حل المشكلات والتعاون، لذلك من المهم التعرف على المخاطر التي قد يتعرض لها الطفل وكيفية تجنبها والتصرف في حالات الطوارئ، لنوفر للطفل بيئة آمنة دون تقصير أو مبالغة في الحماية.
السلامة أولًا: كيف تؤمن طفلك جيدًا؟
التأكد من مطابقة المنزل وأماكن اللعب خارجه لشروط السلامة الأساسية مع الحرص على عدم ترك الأطفال دون إشراف راشدين يجنبنا الكثير من الخسائر.
داخل المنزل
يمكن تأمين المنزل بعمل بعض التعديلات البسيطة، قد تختلف التفاصيل والأفكار باختلاف الروتين اليومي وعدد الأطفال وأنشطتهم المختلفة.
1. النوافذ والستائريجب إبعاد الأثاث عن النوافذ والتأكد من غلقها، في حالة النوافذ القريبة من الأرض يفضل تركيب شبكة أو قضبان حديدية من الخارج، لا يفضل لعب الأطفال حول الستائر كما يجب التأكد من تثبيتها جيدًا وعدم وجود إكسسوارات أو حبال يمكن أن تؤذي الطفل.
2. الأبواب: يفضل وضع مصدات تمنع غلق الباب لا يستطيع الأطفال الوصول إليها، يجب عدم ترك المفاتيح في الباب لتجنب أن يحبس الطفل نفسه داخل الغرفة، يمكن تزويد باب الشرفة بجرس إنذار يعمل عند فتح الباب.
3. مخارج الكهرباء: يمكن سدّها بالأغطية البلاستيكية المخصصة لذلك أو تعديل الأثاث لعرقلة الوصول إليها، يجب تجنب تواجد أي أجسام معدنية يمكن إدخالها في الفيشة كبنس الشعر وشوك الطعام في متناول يد الطفل.
4. الأرضيات: لتجنب الانزلاق يمكن تثبيت السجاجيد في الأرضية بواسطة الشريط اللاصق ثنائي الوجه، ويمكن رسم خطوط بواسطة مسدس الشمع أسفل الجوارب والأحذية المنزلية.
5. الأثاث: يجب تثبيت وحدات الأدراج والأرفف الكبيرة وأجهزة التلفاز إلى الحوائط، وإبعاد قطع الديكور الضخمة عن مجال حركة الطفل لتجنب سقوطها عليه، يفضل إزالة الطاولات ذات الحواف الحادة أو تغطية حوافها بالفل.
6. المنظفات والمطهرات: المبيدات الحشرية والمنظفات ومساحيق الغسيل تحفظ بعيدًا عن متناول الأطفال خاصة المحتوية على الكلور، خلط بعض المنظفات قد يؤدي لتصاعد غازات سامة.
المطهرات التي تحتوي على الكحول بما فيها مطهر الأيدي الذي يأتي عادة بألوان وروائح جذابة تغري الطفل بتذوقه لا يقل خطورة عن مزيل طلاء الأظافر وكرات النفتالين التي توضع في خزانات الملابس لمنع العثة.
7. الأدوية: بعض الأدوية ابتلاع كميات صغيرة منها قد يؤدي للوفاة، كالمراهم المستخدمة لعلاج آلام الظهر وأدوية السكر وبعض مضادات الإسهال والجل المستخدم لتخفيف آلام التسنين وبخاخات الأنف المضادة للاحتقان وبعض قطرات العين.
8. الأكياس البلاستيكية والأشياء الصغيرة: يجب إبعاد الأكياس البلاستيكية عن متناول الأطفال لتجنب خطر الاختناق إذا ما وضع الطفل كيسًا حول رأسه، الألعاب ذات الأجزاء الصغيرة غير مناسبة للأطفال دون الثالثة خاصة البطاريات الدائرية الصغيرة أو الكرات والقضبان المغناطيسية التي يسهل بلعها فتتفاعل داخل الجهاز الهضمي مسببة تآكل الأنسجة مما قد يتطلب تدخلًا جراحيًا، كذلك العملات المعدنية والأزرار والدبابيس.
9. في المطبخ: تواجد الطفل وحده في المطبخ ليس آمنًا وحتى برفقة أحد البالغين يجب اتخاذ بعض الاحتياطات مثل إبعاد غلاية المياه عن متناول يده ومحاولة الطهي على نصف الموقد الداخلي وتوجيه يد المقلاة دائمًا إلى الداخل لتجنب سقوطها على الطفل ويفضّل منعه من التواجد حول الموقد أساسًا، يجب إبقاء الآلات الحادة ومغناطيس الثلاجة في مكان يصعب الوصول إليه.
10. إذا كان المنزل يتكون من طابقين أو مستويين يفضّل تركيب بوابات الأمان الخاصة بالأطفال عند مدخل السلم.
خارج المنزل
اللعب في الأماكن المفتوحة يمنح الطفل الفرصة لاستخدام كافة حواسه وتطوير مهارات التوازن والانتباه والتعاون والتواصل، ولكنه يمنح فرصًا عديدة للإصابات إذا لم يتم اتخاذ احتياطات السلامة الأساسية.
1. القاعدة الذهبية: إبقاء الأطفال تحت أعين البالغين دائمًا، كما يجب اختيار مكان مناسب لسن الطفل من البداية، فليست كل الألعاب مناسبة لجميع الأعمار.
2. النظر إلى أسفل: يجب التأكد أن أرضية الملعب تخلو من أي عوائق قد تؤدي إلى التعثر وسميكة وماصّة للصدمات، قد تبدو النجيلة خيارًا آمنًا إلا أنها لا تمتص الصدمات كالمطاط أو الرمال، كما يجب التأكد من نظافتها وخلوّها من الأجسام الحادة وفضلات الحيوانات والحشرات.
3. الأرجوحات: يساعد التأرجح في تهدئة الطفل وتنمية مهاراته الحسية وحثه على التعاون، يجب أن تكون الأرجوحة مثبتة في الأرض جيدًا مع وجود مسافة كافية بينها وبين الأرصفة والأسوار المحيطة، وبين الأرجوحات وبعضها وحولها أيضًا ومنع الأطفال من المرور أمام أو خلف الأرجوحة أثناء حركتها، يفضّل أن يكون كرسي الأرجوحة من مادة مطاطية والسلاسل متينة ومنع الأطفال من لف الأرجوحة لتجنب تشابك السلاسل مع الشعر أو إصابة الأيدي.
4. الزلاقات: يمنح النزول عليها الطفل إحساسًا بالتشويق والإثارة ويبني ثقته بنفسه، لكن متى تكون الزلاقة محل ثقة؟ عندما توجد جوانب عالية عند قمتها تحمي الطفل من السقوط، تخلو من أي كسور أو أجزاء حادة ويهبط منها الطفل إلى أرضية آمنة خالية من الأجسام الحادة، في الأيام المشمسة يجب التأكد من أن الزلاقة ليست ساخنة لتجنب الحروق، يتم توجيه الطفل للنزول بقدميه أولًا لتجنب إصابات الرأس والقيام سريعًا بعد النزول لتجنب اصطدام من يليه بظهره.
5. ألعاب التسلق والقفز: لا بد أن تكون شبكات التسلق سليمة وذات فتحات صغيرة ومتساوية، النتوءات البلاستيكية التي يتسلقها الطفل يجب أن تكون مناسبة لحجم قبضته ودون أطراف حادة أو مسامير.
حسب توصيات الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال يقتصر استخدام الترامبولين في التدريبات الرياضية تحت إشراف متخصصين لخطورة الإصابات الناتجة عنها خاصة للأطفال تحت ست سنوات ويفضل ألا يستخدمه أكثر من شخص في آن واحد، لا تقل القلاع النطاطة خطورة خاصة في حالة عدم تثبيتها جيدًا أو وجود فتحات قد يسقط فيها الأطفال.
ما هي أكثر الإصابات شيوعًا وكيف يمكن التعامل معها؟
يجب أن يكون الوالدين على دراية بأشهر الإصابات وكيفية التصرف في حالات الطوارئ، يجب عدم المبالغة في رد الفعل والحفاظ على الهدوء وطمأنة الطفل مع إبداء التعاطف معه ثم البدء في اتخاذ الخطوات اللازمة مع شرحها للطفل بطريقة مبسطة، قد يساعد إلهاؤه بلعبة أو قصة على تهدئته.
1. إصابات الرأس
فرص حدوث تبعات خطيرة نتيجة لإصابة طفيفة في الرأس نادرة، يكفي بعض الكمادات الباردة على مكان الإصابة ومراقبة الطفل، في حال ظهور أحد الأعراض التالية يجب التوجه للطوارئ: فقدان الوعي، صداع أو دوخة باستمرار، تشوش الرؤية، تغير حجم بؤبؤ العين، طنين الأذن، ارتباك وتلعثم في الكلام، قيء، ضعف الأطراف وعدم القدرة على المشي، تشنجات، نزول دم أو سائل شفاف من الأذن أو الأنف، النوم لوقت طويل، تغير حاد في السلوك، صعوبة التعرف على أشخاص مألوفين، شحوب مستمر لأكثر من ساعة.
2. العينان والأذنان والأنف
حدوث كدمة أو جرح بسيط في الجفن لا يدعو للقلق، جرح الجفن الكبير يستلزم تدخل الطبيب، إذا سببت الإصابة إحمرار العين وعم القدرة على فتحها وزيادة إفراز الدموع يجب تغطيتها بقطعة شاش نظيفة والتوجه للطبيب، يراعى عدم محاولة غسلها أو فركها أو وضع أي أدوية بها.
يجب إبعاد أعواد الأذن القطنية عن متناول الأطفال ويفضل عدم استخدامها لتجنب حوادث ثقب طبلة الأذن، يجب التوجه للطبيب في حالة نزول دم من الأذن.
نزيف الأنف يحدث مع أبسط الإصابات ويمكن السيطرة عليه بسهولة بتوجيه الطفل للانحناء للأمام وليس للخلف مع إغلاق فتحتي الأنف بالأصابع لمدة عشر دقائق كاملة وتجنب حشر القطن أو المناديل بها، إذا لم يتوقف النزيف تعاد المحاولة مرة أخرى وإذا استمر أو ظهر تعرّق وضعف وشحوب على الطفل يجب التوجه للطبيب، في حالة تورم الأنف يفضل استشارة الطبيب للتأكد من عدم وجود كسر، إذا قام الطفل بحشر جسم غريب في الأنف يصعب إخراجه يجب التوجه للطبيب فورًا.
3. الفم والأسنان
عض اللسان أو الشفاه قد يؤدي إلى نزيف غزير نسبيًا لكثرة الأوعية الدموية ولكنها عادة تشفى من تلقاء نفسها يكفي غسل الفم بالماء والضغط على الجرح برفق بواسطة قطعة شاش نظيفة لعدة دقائق حتى يتوقف النزيف ولا تحتاج للخياطة إلا في حالة امتداد القطع للجلد حول الشفاه، يمنع تمامًا جري الطفل في فمه القلم أو فرشاة الأسنان أو أي أداة مدببة لتجنب ثقب سقف الحلق عند السقوط وهي إصابة تتطلب تدخلًا جراحيًا فوريًا مع مراعاة عدم محاولة إزالة أو تحريك الجسم الغريب إلا بمعرفة الطبيب.
تتعرض الأسنان الأمامية كثيرًا للحوادث، بعد غسل الفم وتوقف النزيف يجب التأكد من وجود كل سن في مكانه، في حالة فقدان أحد الأسنان أو جزء منه ولم يتم العثور عليه يجب التوجه للمستشفى لعمل آشعة والتأكد أنه غير موجود في تجويف الصدر أو البطن، في بعض الحالات يمكن للطبيب إعادة لصق الجزء المكسور إذا تم إيجاده وحفظه في محلول ملح.
لا يمكن إعادة زراعة الأسنان اللبنية ولكن يفضل عمل أشعة على مكانها للتأكد أن الأسنان الدائمة لم تتأثر، يمكن إعادة زرع الأسنان الدائمة في مكانها بشرط أن يتم مسكها من الجزء الأبيض الذي يظهر بالفم وليس من الجذر وغسلها تحت ماء جاري فقط دون مطهرات ثم وضعها في مكانها بالفم مع الضغط برفق وتوجيه الطفل لعض قطعة شاش ثم التوجه للطبيب على الفور، أو حفظها في محلول ملح أو حليب أو في جانب فم الطفل أو تحت اللسان إذا كان كبيرًا كفاية ليتجنب بلعها ثم التوجه لطبيب الأسنان بحد أقصى خلال ساعتين.
في حالة تخلخل الأسنان البسيط، فقط يتم تجنب الأكل عليها لبضعة أيام حتى تثبت مرة أخرى، إذا كان التخلخل شديدًا يجب التوجه لطبيب الأسنان، إذا لوحظ تغير في لون أحد الأسنان أو ضغطها إلى الداخل بحيث تبدو أقصر من طولها يفضل مراجعة الطبيب.
4. الاختناق والغرق
لا داعي للتدخل إذا كان الطفل يتكلم ويسعل بقوة محاولًا إخراج الجسم الغريب من حلقه، إذا ضعف سعال الطفل وبدأ بالاختناق يجب المسارعة بأداء مناورة هايمليك، إذا فقد الطفل وعيه يمدد على الأرض على ظهره مع رفع الذقن لأعلى وفتح الفم وضغط اللسان بالإبهام ثم محاولة استكشاف الجسم الغريب وإزالته، تستخدم هذه المناورة بحرص لأنها قد تؤدي إلى دفع الجسم الغريب للداخل بدلًا من إخراجه، إذا توقف النبض يتم ممارسة الإنعاش القلبي الرئوي، يجب على كل أم وأب التسجيل في دورة الإسعافات الأولية للتدرب عليه بشكل احترافي.
يجب تأمين حمام السباحة في المنزل بتغطيته أو وضع سور حوله وعدم ترك الطفل حول حمامات السباحة أو في حوض الاستحمام دون إشراف، يتم إخراج الطفل فور سقوطه في الماء، إذا توقف عن التنفس يستخدم التنفس الصناعي من الفم للفم، إذا توقف النبض يجب اللجوء للإنعاش القلبي الرئوي.
5. الكسور والجروح
يصاحب الكسر ألم شديد وتورم مع عدم القدرة على الحركة، يجب تثبيت الطرف المصاب وعدم تحريكه لحين توفر المساعدة الطبية، في حالة الكسر المفتوح حيث يوجد جرح قد يمكن رؤية العظام من خلاله يجب إيقاف النزيف ومنع الجرح من التلوث بالضغط برفق وتغطيته باستخدام قطعة شاش نظيفة والتوجه فورًا للطوارئ.
تلتئم جروح الصغار سريعًا لكنها قد تحتاج للخياطة إذا كان الجرح عميقًا يمكن رؤية الأنسجة الدهنية وما تحتها من خلاله، أو تنفتح حوافه عند الحركة، أو تخطى طوله اثني عشر ملليمترًا، يجب الضغط على الجرح باستخدام قطعة شاش نظيفة لإيقاف النزيف لحين التوجه للطبيب، يكتفى بغسل الجروح السطحية بالماء والصابون وتغطيتها بشاش نظيف أو لاصق طبي حتى تلتئم.
6. الحروق
تقول الأسطورة إن معجون الأسنان والدقيق والزيت يستخدمون في علاج الحروق والحقيقة إنهم يجعلون الأمر أسوأ، كذلك يفعل استخدام الثلج ومحاولة تقشير البثور الناتجة عن الحرق، يجب أن يوضع الحرق تحت الماء الجاري البارد لخمس دقائق ثم يغطي بضمادة نظيفة جافة لا تلتصق به ويفضل تجنب وضع أي أدوية دون استشارة الطبيب.
يجب التوجه للطوارئ فورًا في حالات الحروق الناتجة عن الصعق أو التي تغطي مساحة كبيرة من الجلد أو نتج عنها إزالة طبقات من الجلد وفقدان الإحساس أو حروق الوجه والأعضاء التناسلية.
7. الصعق الكهربائي
إذا تعرض الطفل للصعق يجب فصل التيار فورًا دون لمس الطفل، عند تعذر فصل التيار يجب إبعاد الطفل أو مصدر الكهرباء باستخدام مادة غير موصلة كعصا خشبية مثلًا، بمجرد فصل التيار يتم فحص العلامات الحيوية وإجراء الإنعاش القلبي الرئوي عند الحاجة، يتم التوجه إلى الطوارئ على الفور للتحقق من سلامة الأعضاء الداخلية.
8. التسمم
يجب تسجيل رقم مركز السموم وطبيب الأطفال لطلب المساعدة، في حالة بلع مادة سامة يجب عدم إجبار الطفل على التقيؤ، ابتلاع البطاريات يحتم الذهاب إلى الطوارئ قبل مرور ساعتين، إذا تم استنشاق غاز سام يجب تعرض الطفل للهواء النقي وفي حالة توقف التنفس يجب إجراء الإنعاش القلبي الرئوي، يجب غسل الجلد أو العين بماء فاتر جاري عند تعرضهما لمادة سامة.
قد ينقذ إلمام الوالدين بحالات الطوارئ والإسعافات الأولية حياة أطفالهما ولكن في الوقت الذي تتطلب فيه تربية الأبناء الكثير من الحب والصبر والمحاولات المستمرة لحفظ التوازن النفسي وإدارة ضغوط الحياة والسعي لاكتساب مهارات الإرشاد النفسي والعلاج السلوكي وعلم التغذية والاطّلاع على فلسفات التعليم ومدارس التربية المختلفة مع محاولة مواكبة مستجدات العصر ومواجهة تحديات المجتمع، يظل التدريب على الإسعافات الأولية المهارة الوحيدة التي لا بد من اكتسابها متمنين ألا نضطر لاستخدامها أبدًا.