الشجار بين الإخوة: دليلك للحلول التربوية السليمة

شجار الأطفال, خناقة, أطقال, تربية

لا يخلو منزل به أكثر من طفل من خلافات الإخوة مع بعضهم البعض في مختلف المراحل العمرية، بداية من شجار الأطفال حول الألعاب أو الجلوس بجوار نافذة السيارة، مرورًا بشجار المراهقين حول احترام الخصوصية واستخدام المتعلقات الخاصة وحتى الشجار الأزلي الشهير بين أختين قامت إحداهما بزيارة سرية لدولاب الأخرى، همهمات ثم شد وجذب ثم نداء الطوارئ: «يا ماما» مصحوبًا بشلال الشكاوى والتظلمات: «هي اللي بدأت.. هو شد شعري.. كسر لعبتي.. دخلت أوضتي من غير ما تستأذن».

تحاول ماما المسكينة حل المشكلة فتتخذ مقعد القاضي تارة وتنسحب من المشهد تارة أخرى أو تنفجر في الجميع، وفي كل الأحوال ينتهي الموقف باستياء جميع الأطراف.هل يبدو ذلك السيناريو مألوفًا؟ إذا كانت الإجابة نعم، ربما تساعدك السطور المقبلة على فهم المشكلة وكيفية حلها.

لماذا يتشاجر الأطفال من الأساس؟

خلافات الأطفال ظاهرة طبيعية وجزء لا يتجزأ من نمو الطفل واحتكاكه بالبيئة المحيطة إضافة إلى بعض العوامل والأسباب التي تؤثر على علاقة الإخوة ومدى تكرارية خلافاتهم وحدّتها:

1. السن: يميل الأطفال الأقرب لسن بعضهم أو كما يقال: «مولودين فوق رؤوس بعض» إلى الشجار أكثر من الأطفال ذوي فرق السن الكبير، ولكن ربما يعكر صفو العلاقات اختلاف الاحتياجات باختلاف الفئة العمرية فعلى سبيل المثال تتعارض رغبة طفل الثلاثة أعوام في تأكيد هويّته بحماية ممتلكاته مع رغبة الأخ الرضيع في استكشاف بيئته والتفاعل معها، ثم نلومه على كونه عنيفًا تجاه الصغير لأنه وضع لعبته المفضلة في فمه مثلًا.

نفس السبب الذي يجعل طفلة في سن المدرسة تمارس ميولها الطبيعية إلى الإحساس بالعدل والمساواة على إخوتها الأصغر أو الأكبر لاختلاف مواعيد نومهم أو إجازاتهم الدراسية، بينما تدفع الرغبة في الاستقلالية المراهقين إلى التذمر من اضطرارهم العناية بالإخوة الأصغر.

2. الجنس: رغم أن الإخوة من نفس الجنس يتمتعون باهتمامات مشتركة فإنهم قد يميلون للتنافسية مما يجعلهم يتشاجرون أحيانًا بمعدل أعلى من الإخوة مختلفي الجنس.

3. الترتيب: قد تنشأ المشاكل بسبب الأخ المتوسط الذي لا يحظى بتدليل مثل آخر العنقود أو بثقة مثل أكبر الإخوة.

4. لفت الانتباه: قد يتشاجر الأطفال لا لشيء إلا للفت انتباه الوالدين فقط، خاصة في حالة انشغالهما لوقت طويل سواء في العمل أو المطبخ أو مواقع التواصل الاجتماعي.

5. الغيرة: رد فعل نفسي طبيعي سواء كانت تجاه مولود جديد أو أخ يحتاج إلى اهتمام خاص لظروف المرض المزمن مثلًا أو أخ موهوب أو متفوق دراسيًا أو رياضيًا، خاصة إذا كان الوالدان يواجهان صعوبة في توزيع اهتمامهم على الجميع بما يناسب احتياجات كل طفل.

6. اختلاف الطباع: الطباع كالبصمات تختلف من شخص لآخر ولا يعني كونهم ولدوا وتربوا في نفس الأسرة أن يكونوا متماثلي الطباع، مهما كانت مراعاة الوالدين للمعاملة العادلة قد يستفز ميل أحدهم للفوضوية أعصاب الأخ محب النظام  وربما يثير العاطفي مرهف الحس غيرة إخوته بسبب قدرته على التأثير في الوالدين وكسب تعاطفهما.

7. الوالدان: تفضيل أحد الوالدين أو كليهما لطفل دون الآخرين يزيد من فرص حدوث الخلافات وحدّتها أيضًا، فعندما لا يشعر الطفل بالمعاملة العادلة يميل إلى التصرف بعنف مع الأخ المفضل لدى الوالدين.

كذلك علاقة الوالدين وكيفية إدارتهما للخلافات تنعكس بشكل مباشر على علاقة الأطفال، لا يمكنك أن تتحدث مع أطفالك عن حل خلافاتهم بالنقاش بينما يرون والديهم يفعلان عكس ذلك فالطفل يتعلم مما يراه.

استراتيجيات فض الاشتباك بين الإخوة

تمثل خلافات الأطفال فرصة ذهبية لتعلم مهارات اجتماعية مختلفة كمهارة التفاوض وحل المشكلات واحتواء وجهات النظر المختلفة بالإضافة إلى التعاطف والاعتذار والتسامح، إذا تم التعامل معها بالشكل الصحيح.

1. المراقبة مع عدم التدخل

ما دامت المشكلة لم تطور إلى الحد الذي قد يعرّض أحد الأطراف للأذى لا داعي للتدخل المباشر، دعهم يتعلمون كيفية حل خلافاتهم دون مساعدة، ربما يتوصلون لتسوية أنسب مما قد تقترح عليهم، التدخل الدائم قد يخلق لدى أحد الأطراف إحساسًا بالحماية الدائمة قد يتطور إلى شخصية متنمرة، أو قد يدفع الطفل إلى لعب دور الضحية لكسب التعاطف وربما تطور ذلك إلى شخصية سلبية تشعر دائمًا بالاضطهاد.

2. التوجيه عن بعد

مجرد تنبيه وتوجيه لحل المشكلة بالتفاهم إذا تجاوز الخلاف الحدود المسموحة باستخدام ألفاظ غير مقبولة أو لغة عنيفة مثلًا ويختلف ذلك عن التدخل المباشر؛ «في البيت ده مش مسموح بالشتيمة، إشرح لأخوك رأيك بطريقة تانية وحاولوا تحلوا المشكلة مع بعض».

3. فصل القوات

إذا اضطررت للتدخل سواء بناء على طلب أطراف المشكلة أو لتصاعد الموقف وتجنب خروج الأمور عن السيطرة، قم بفصل أطراف المشكلة عن بعضهم حتى يتسنى لكل طفل أن يحظى بفرصة لاستعادة توازنه قبل أن يبدأ النقاش حول الأسباب والحلول.

4. التزام الحيادية

تجنب اتخاذ جانب أحدهم ومعاقبة الآخر حتى لو كان مخطئًا، استمع لجميع الأطراف مع مساعدتهم على التعبير عن مشاعرهم دون مقاطعة أو إصدار أحكام، اقترح معهم حلولًا للمشكلة واترك لهم اختيار ما يناسبهم، تذكر أن الهدف ليس فقط حل المشكلة، ولكن مساعدتهم على توطيد علاقتهم وتطوير مهاراتهم في حل المشكلات.

5. تقديم الحلول البديلة

كبالغين نعرف بالتجربة أن الحياة لا تقتصر على اللونين الأبيض والأسود ويمكن أن نجد حلولًا خارج الصندوق بمجرد تغيير منظورنا للمشكلة، يمكن أن نقدم درسًا عمليًا باقتراح حلول ترضي جميع الأطراف إذا أمكن ذلك؛ مثلًا اقتراح لعبة يمكنهم مشاركتها عند اختلافهم على الدور في إحد الألعاب.

6. استخدام الدعابة

يمكن امتصاص حدة الخلاف بالقليل من المرح؛ مثلًا تقمص دور معلق كرة أو مذيع برنامج عند الاستماع لأطراف المشكلة قد يخفف من التوتر، وربما يثير ضحك الأطفال وتحل المشكلة دون مفاوضات تذكر.

7. طلب الدعم

تحت ضغط متطلبات الحياة اليومية قد يصبح من الصعب التعامل مع خلافات الأبناء المتكررة، في حالة عدم قدرة أحد الوالدين على حل الخلافات بأقل الخسائر الممكنة يمكنه أن يطلب وقتًا مستقطعًا مع تولي الآخر زمام الأمور.

قد يتطلب الأمر طلب الدعم من متخصصين في حالة تكرار المشاكل بشكل يعطل الحياة اليومية أو يهدد استقرار الأسرة و يعرض أحد الأطفال للضغط النفسي.

كيف يمكن الحد من الخلافات؟

لا يمكن تجنب نشوب المشاكل بين الأبناء بشكل تام، ولكن يمكن اتخاذ بعض الخطوات للحد منها والعمل على تحسين العلاقات الأخوية بشكل عام:

1. وضع القواعد

وضع قواعد واضحة للسلوك المقبول وغير المقبول في حالات الاختلاف كاستخدام الشتائم أو الضرب مع توضيح عواقب كسر القاعدة وتطبيقها على الكل دون استثناء يساعد الأطفال في حل خلافاتهم بأنفسهم بأقل خسائر ممكنة دون الشعور بالظلم أو الحاجة للتأثير الدرامي، مشاركة الأطفال في وضع القواعد واختيار العواقب يساعدهم على تذكرها والالتزام بها.

2. احترام الطفل

لا تقم بتوبيخ أو تعديل سلوك أحد الأبناء أمام إخوته ولا تسخر منه أو تطلق عليه لقبًا يستدعي تهكم إخوته وتنمرهم عليه، احترم ممتلكاته وخصوصياته أيضًا، على عكس ما قد يظن البعض فإن دعم حق الطفل في رفض مشاركة بعض الألعاب أو المتعلقات مع الآخرين بمن فيهم إخوته يعزز إحساسه بالاستقلالية، مما يجعله أكثر استعدادًا للمشاركة.

3. لا للمقارنات

لا تقارن طفلك بإخوته حتى لو كانت المقارنة في صالحه، مبدأ المقارنة مرفوض من الأساس، خاصة بين الإخوة كذلك يجب مراعاة أن احتياجات كل طفل تختلف باختلاف السن والطباع، ولكنهم جميعًا يتشاركون الحاجة إلى الحب والدعم، لذلك فإن كبح الحب غير المشروط وإشباع رغبات طفلك وتلبية احتياجاته وفقًا للأسلوب الذي يناسبه سيحد من ميله لمقارنة نفسه بإخوته، وبالتالي الشعور بالاضطهاد وافتعال المشاكل، كذلك تخصيص وقت خاص مع الأب أو الأم لكل طفل على حدة بشكل منتظم يساعد على إشباعه عاطفيًا ويغنيه عن الحاجة للفت الانتباه.

4. التنظيم ووضع الجداول

وضع روتين مسبق لتنظيم أسباب الخلافات بمشاركة الأطفال يمنع نشوب المشاكل من الأساس، حدد مع أطفالك أسباب الخلافات المتكررة كالمشاركة في أعمال المنزل أو الجلوس بجانب نافذة السيارة أو دفع عربة السوبر ماركت أو اختيار لعبة البلايستيشن مثلًا، اتفقوا على جدول لتنظيم الأدوار، يمكنكم طباعة الجدول وتعليقه للرجوع إليه في حال اختلافهم على الأدوار، يمكن تغيير الجدول كل أسبوع أو كل شهر.

5. تهيئة البيئة المحيطة

يمكن تجنب أسباب الخلاف أيضًا بتهيئة البيئة المحيطة بالأطفال سواء داخل المنزل أو خارجه؛ مثلًا: احرص على توفير ألعاب مختلفة تجذب انتباههم، خاصة إذا كنت بصدد استقبال مكالمة تليفونية طويلة، إذا كان ممكنًا يمكن لكل طفل أن يجلس بجوار إحدى نوافذ السيارة، دون الإخلال بقواعد السلامة، مشاركتهم في اختيار المنتجات أثناء التسوق تقلل من فرص الاحتكاك والشجار.

6. امدح السلوك الإيجابي

تستهلك الخلافات ومحاولة إصلاحها الكثير من الطاقة مما يجعلنا نُسقط سهوًا دعم السلوك الإيجابي، تذكر أن تمدح سلوك أطفالك الإيجابي تجاه بعضهم البعض وأن تبدي سعادتك بقدرتهم على التعاون وحل بعض الخلافات.

7. تقديم نموذج للعلاقات الصحية

الأطفال يتعلمون بالتقليد، إذا كنت عصبيًا دائم الصراخ، تصفد الأبواب أو تلقي بالأشياء عند الغضب لا تتوقع من أطفالك حل خلافاتهم بالنقاش والتزام الحدود، كونك قدوة لأطفالك يجعلك دائمًا تحت الميكروسكوب فكن حذرًا في ردود أفعالك.

8. زيادة أوقات المرح

احرص على قضاء أوقات ممتعة مع أطفالك، فمشاركة المرح من خلال طقوس عائلية لطيفة كتخصيص يوم لمشاهدة فيلم عائلي في أجواء السينما أو تخصيص يوم في الأسبوع لخبز الكيك سويًا تساعد على تقوية الروابط العائلية وتعزز ارتباط الإخوة ببعضهم البعض.

أهمية علاقة الإخوة، هل يستحق الأمر كل هذا العناء؟

مشاكل الإخوة المتكررة تسبب توترًا للوالدين وتشكل ضغطًا كبيرًا عليهما، خاصة في العائلات كبيرة العدد، ولكنها أمر لا يمكن تجاهله، ويجب التعامل معه بجدية وحساسية، لأن كل مشكلة قد تشكل فرصة ذّهبية لتعلم مهارة جديدة إلى جانب أهمية علاقات الإخوة في حياة بعضهم البعض؛ فبالإضافة للحب وتقديم الدعم والمساندة تساهم علاقات الإخوة الصحية في غرس قيم التعاون والتعاطف والمشاركة إلى جانب الدور المهم والملحوظ في النمو والتطور واكتساب سمات شخصية ومهارات اجتماعية مختلفة تشكل شخصية الطفل وتستمر معه طيلة حياته؛ على سبيل المثال الإخوة الأكبر سنًا يساعدون إخوتهم الصغار في تنمية مهارات التعلم واللغة والإدراك، كما أن مشاركة الإخوة الكبار في الاهتمام بإخوتهم يدعم إحساسهم بالمسئولية والتعاطف، وتشكل علاقات الإخوة بذرة العلاقات الاجتماعية للطفل وتؤثر على تفاعله مع المجتمع، حتى أن عدم قدرة الشخص على التكيّف وميوله للعدوانية ترتبط باضطراب علاقته مع إخوته في الصغر.

لذلك لا تدخروا جهدًا في دعم علاقات أطفالكم مع إخوتهم، العلاقة التي تجمع بين الصداقة والأبوة، فريق الدعم الذي لن يخذلهم أبدًا والكتف التي سوف يستندون عليها لمواصلة رحلة الحياة، تذكروا وذكروهم دائمًا أن الخلافات هي وسيلتنا لتعلم التعايش.

One Response

Comments are closed.