جرو ودود ذو عينين كبيرتين لا يمكن مقاومتهما، قطة جميلة كثيرة الحركة أو هامستر صغير لطيف، بعض الكتاكيت المزغبة، أسماك زينة أو سلحفاة، أو حتى حيوانات المزرعة كالبقرة والحمار والماعز، جزء من قائمة أصدقاء أوفياء يستمعون جيدًا دون إصدار الأحكام أو إفشاء الأسرار، يمنحون الحب غير المشروط دون انتقاد أو طرح أسئلة، على استعداد دائم لقضاء الوقت مع أصدقائهم دون قيود، أصدقاء حظي بهم معظمنا في الطفولة، تعلقوا بهم وقضوا معهم أوقاتًا ممتعة، وربما ترك فقدهم أثرًا نفسيًا لعدة سنوات.
يتشارك الأطفال والحيوانات في البراءة ونقاء الفطرة لذلك يتأثر الأطفال بهم ويتفاعلون معهم ويؤثر الاحتكاك بالحيوانات في سن مبكرة على توازن الطفل النفسي ومهاراته الإدراكية والاجتماعية وحتى جهازه المناعي.
متى يمكن للطفل الاعتناء بحيوان أليف؟
قبل أن تهدي طفلك صديقًا أليفًا تناقش معه وتأكد أنه مدرك جيدًا لطبيعته وكيفية الاعتناء به، يمكن تمهيد الطفل بقراءة كتاب عن الحيوانات الأليفة أو زيارة لملجأ حيوانات أو منزل صديق لديه حيوان أليف، في كل الأحوال يجب أن يخضع الاعتناء بالحيوانات لإشراف الوالدين المباشر خاصة قبل سن ست سنوات حيث قد يختلط على الطفل التعامل مع الحيوانات كالألعاب فيميل أحيانًا للإيذاء غير المقصود مما قد يدفع الحيوانات للهجوم على الطفل دفاعًا عن النفس.
كيف تختار حيوانًا أليفًا يناسب طفلك؟
عند اختيار حيوان أليف لطفلك يجب وضع عدة عوامل في الاعتبار بدءًا من التكلفة المادية للاعتناء به وتوفر المكان المناسب وإمكانية تخصيص الوقت لتلبية احتياجاته.
كذلك يجب وضع المرحلة العمرية للطفل في الاعتبار، فالأطفال أصغر من عشر سنوات لا يمكنهم الاعتناء بحيوانات كبيرة الحجم تتطلب عناية يومية كالقطط والكلاب، قد يناسبهم أكثر أسماك الزينة والسلاحف والهامستر.
بعض الحيوانات ذات طباع مناسبة للأطفال أكثر من غيرها؛ مثلًا: فصيلة الكلاب البلدي المصرية والـ golden retriever ملائمة للتعامل مع الأطفال أكثر من فصائل الـ german shepherd أو الـ pitbull التي قد تأتي بردود أفعال غير متوقعة ربما تميل للعنف أحيانًا.
ماذا لو فقد طفلك اهتمامه بالحيوان الأليف؟
يجب تقديم قدوة إيجابية بمعاملة الوالدين للحيوانات واهتمامهم بها وتعليم الطفل وتذكيره دائمًا بلطف أن الحيوان روح ضعيفة لا حول لها ولا قوة تحتاج إلى الرعاية والاهتمام على المستويين الجسدي والمعنوي، عدم الاهتمام بالحيوان الأليف عقابًا لطفلك على إهماله له هو عقاب للحيوان المسكين الذي سيكون بالتأكيد في حال أفضل إذا عرضته للتبني من قبل أسرة مستعدة لاحتضانه.
كيف يغير الحيوان الأليف حياة طفلك للأفضل؟
تعددت الدراسات حول تأثير الاحتكاك بالحيوانات على الأطفال صحيًا ونفسيًا وإدراكيًا ورغم اختلافها في بعض النقاط فإنها اتفقت على عدة فوائد مهمة:
1. تحمل المسئولية: مشاركة الطفل في الإهتمام بكائن آخر إطعامه وتنظيفه وتنظيف مكانه واصطحابه للتنزه أو تدريبه، تساعد على تربية طفل مسئول يمكن للآخرين الاعتماد عليه.
2. القدرة على التعاطف: احتكاك الطفل بالحيوانات يجعله أكثر تعاطفًا وإنسانية مع الآخرين ويعلمه احترام الطبيعة والكائنات الحية.
3. تقديم الدعم النفسي: تساعد العلاقة الإيجابية مع الحيوانات الأليفة الأطفال ذوي العلاقات المضطربة مع أحد الوالدين على تجاوز هذه الاضطرابات؛ إذ تقدم بديلًا دافئًا يبث الطمأنينة والشعور بالأمان.
4. الثقة بالنفس: تتميز علاقة الأطفال بالحيوانات بالحب والتقبل غير المشروط الذي يمنح الطفل إحساسًا بالاستحقاق وقبول الذات والثقة بالنفس ويدعم التماسك الذاتي مما يترك تأثيرًا إيجابيًا على شخصيته وسلوكه.
5. تخفيف التوتر والإحساس بالوحدة: حتى أسعد الأطفال يمر بلحظات من القلق أو الإحساس بالوحدة أحيانًأ، يوفر الحيوان الأليف ونسًا ورفيقًا للعب ومستمعًا جيدًا أيضًا.صديق ومعلم ومُعالج نفسي: أدوار تلعبها الحيوانات مع طفلك
6. علاقات اجتماعية أكثر استقرارًا: احتكاك الطفل بالحيوانات يجعله أكثر انفتاحًا وقدرة على تكوين العلاقات الاجتماعية والثقة بنفسه وبالآخرين.
7. مصدر لدروس الحياة: يتابع الطفل دورة حياة الكائنات الأخرى ويتعلم عن الطبيعة من خلال الحيوانات الأليفة، فيتعلم عن النمو والإخراج التزاوج والولادة والموت ودروس مختلفة في مادة الأحياء دون كتاب.
8. دعم مهارات التواصل: كمستمع جيد يتحمل رغي الأطفال دون ملل أو مقاطعة ويشكل جزءًا كبيرًا من حديث الأطفال مع العائلة يدعم الصديق الأليف المهارات اللغوية لدى الأطفال ويساعدهم على التواصل بشكل أفضل وفهم حركات الجسد والتواصل بالعين.
9. تطوير مهارات الإدراك والتعلم: يميل الأطفال إلى التعلم عن الأشياء التي يرتبطون به عاطفيًا بشكل كبير، مراقبة الحيوانات الأليفة والتعامل معها يثير فضول الطفل للتعلم ويدعم مهارات التركيز والذاكرة والتصنيف والتخطيط بالتالي يدعم المهارات الإدراكية المختلفة التي تؤدي إلى تحسين التحصيل الدراسي.
في دراسة أجريت على الرضع في العام الأول ثبت أن تعرض الطفل لوجوه الحيوانات الأليفة في المنزل يوميًا يجعله أكثر قدرة على تمييز وجوه الحيوانات بشكل عام مما ينمي لديه مهارة تمييز الوجوه والأشكال وهي مهارة أساسية من مهارات الإدراك في هذه المرحلة.
هل يتمتع الأطفال ذوو الحيوانات الأليفة بصحة أفضل؟
على عكس ما قد نظنه من الوهلة الأولى، فتفاعل الأطفال مع الحيوانات يؤثر إيجابيًا على المناعة والصحة بشكل عام، طبعًا إذا كانت الحيوانات لا تحمل أمراضًا معدية للإنسان:
- اقتناء حيوانات كثيرة الحركة كالقطط والكلاب يساهم في زيادة النشاط البدني للطفل باللعب معهم ومحاولة تقليد حركات التسلق والقفز والجري والتدحرج، الكثير من الحركة والمتعة والتعرض لخطر الإصابات أيضًا إذا لم يتوفر إشراف البالغين.
- أثبتت بعض الأبحاث أن أصحاب الحيوانات الأليفة خاصة الكلاب يتمتعون بمستويات ضغط دم معتدلة وقلب أقل عرضة للإصابة بالأمراض، فقضاء الوقت مع الحيوانات والطبطبة عليها يساعد على التخفيف من التوتر والضغط العصبي ويؤدي لانتظام ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
- على عكس ما قد نظنه فإن التفاعل المباشر بين الأطفال والحيوانات يساعد بلا شك على تعزيز الجهاز المناعي والتقليل من فرص الإصابة بالحساسية وعدوى الجهاز التنفسي وويساعد في تقوية مناعة الطفل والدفع بها بشكل عام، وربما يسبب عدم تفاعل الأطفال مع الحيوانات مجملًا لتعريضهم لمخاطر الحساسية، لكن إن كان طفلك يعاني من حساسية الجهاز التنفسي بالفعل فيجب تجنب الاحتكاك بالحيوانات الأليفة التي قد تسبب تفاقم حالته، بينما إن كان الطفل غير مصابٍ بحساسية الجهاز التنفسي، أو ما زالت ولادته ستتم بعد فترة في بيئة يتواجد فيها حيوان أليف، فسواء كان هناك تاريخ مرضي من الحساسية للأبوين أو لا، فلا مانع من ولادته في بيئة فيها حيوان أليف
- على عكس المتداول فإن الاحتكاك بالحيوانات في السنة الأولى من العمر في حالة الأطفال الأصحاء يساعد على تعزيز الجهاز المناعي والتقليل من فرص الإصابة بالحساسية وعدوى الجهاز التنفسي ولكن إذا كان الطفل يعاني من الحساسية بالفعل أو لديه استعداد وراثي أو يعاني أمراض مناعية يفضل تجنب الاحتكاك بالحيوانات الأليفة التي يمكن أن تسبب حساسية كالقطط والكلاب والطيور.
الحيوانات والأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة
التفاعل مع الحيوانات يمكن أن يشكل جسرًا للتواصل بين الطفل والمعالج سواء كانت حالة الطفل تتطلب تعديلًا سلوكيًا أو علاجًا نفسيًا أو حتى كان من ذوي الاحتياجات الخاصة، أظهرت بعض حالات التوحد تطورًا ملموسًا في مهارات التواصل والوعي بالبيئة المحيطة عند التعامل مع الكلاب وركوب الخيل، كما قد يساهم العلاج بمساعدة الحيوانات في تحسن حالات متلازمة فرط الحركة وتشتت الانتباه.
عندما يصبح الحيوان الأليف مصدرًا للعدوى
يمكن للحيوانات أن تنقل بعض الأمراض للإنسان حتى ولو لم تعان أعراض المرض وقد كون بعضها خطيرًا وربما تؤدي للوفاة ولكن لحسن الحظ معظم هذه الأمراض لا ينتقل من إنسان لآخر ويمكن تجنب الإصابة بالعدوى بالالتزام بتطعيم الحيوانات ضد الأمراض وسرعة التخلص من الفضلات مع غسل الأيدي جيدًا بعد التعامل مع الحيوانات أو فضلاتها وتجنب الخدوش والعقر قدر الإمكان.
بعض أشهر أمراض الحيوانات المعدية
1. مرض السعار
عدوى فيروسية خطيرة تنتقل من الحيوان المصاب إلى الإنسان عن طريق العقر أو الخدش ولا يقتصر المرض على الكلاب كما هو شائع، تظهر أعراضه بعد 4-6 أسابيع من الإصابة وينتشر الفيروس عبر الأعصاب وصولًا للمخ مسببًا مضاعفات خطيرة كتقلص العضلات والشلل ونوبات الصرع والغيبوبة ثم الوفاة.
2. التوكسوبلازما
عدوى طفيلية أساءت إلى سمعة القطط حتى أن البعض يطلق عليها داء القطط، ولكنها يمكن أن تصيب أشخاصًا لم يحتكوا بالقطط في حياتهم.. ببساطة يمكن للإنسان أن يصاب بطفيل التوكسوبلازما عند تناوله طعامًا ملوثًا به غير مطهو جيدًا أو حتى شرب ماء ملوث بالطفيل، تصاب القطط بالعدوى بنفس الكيفية وتحمل فضلاتها العدوى أيضًا ولذلك قد يصاب بها الإنسان إذا تعامل مع الفضلات دون قفازات ولم يغسل يده جيدًا، قد يصاب الشخص بالعدوى ولا يعاني أي أعراض أو بعض الأعراض المشابهة لأعراض مرض الإنفلونزا والتي قد تستمر لمدة شهر.
أحيانًا تسبب العدوى أعراضًا حادة كتلف المخ أو بعض الأعضاء الأخرى أو مشاكل في العين ربما تؤدي إلى ضعف النظر، بعض الأبحاث تطرقت لدراسة التأثير طويل المدى الذي قد يصل إلى تغيرات سلوكية ونفسية،إذا انتقلت العدوى من الأم الحامل للطفل قد تؤثر على العين أو المخ ولكن في معظم الحالات لا تظهر أعراض المرض في سن مبكرة.
3. داء البريميات
عدوى بكتيرية تنتقل للإنسان عن طريق السباحة في مياه ملوثة أو ملامسة تربة ملوثة ببول حيوان مصاب، تتدرج أعراضها من الحمى وحتى الالتهاب الكبدي والسحائي إذا ما تم إهمالها، يمكن علاجها بسهولة بواسطة المضادات الحيوية.
أحيانًا تنقل الحيوانات الأليفة بعض الأمراض الأخرى كعدوى الطفيليات الجلدية والمعوية أوحمّى الببغاء التي تنتقل للإنسان عبر الطيور المصابة أو عدوى السالمونيلا أو عدوى الهامستر.
حتى لا يتحول الصديق إلى عدو
أحيانًا تهاجم الحيوانات الأليفة البشر وخاصة الأطفال إما لطبيعتهم أو لتلقيهم تدريبًا يزيد من شراستهم وعدوانيتهم مع عدم اختلاطهم بالبشر كثيرًا، أو ربما لاستفزازهم من قبل الأطفال دون قصد مما قد يؤدي لإصابات خطيرة.
الوقاية خير من العلاج
- تجنب استفزاز الحيوانات كحبسها وتقييد حركتها بسلاسل قصيرة مثلًا أو معاملتها بعنف، فذلك يؤدي إلى توتر الحيوان مما يجعله يميل للشراسة، لا تسمح للطفل باللعب مع الحيوانات الشاردة أو حيوان أليف لا يعرفه دون وجود صاحبه وتجنب الشوارع التي تسيطر عليها عصابات من الكلاب الشاردة.
- لا تترك طفلك أبدًا يلعب مع حيوان أليف بمفرده، قد تأخذهم الحماسة ويتضمن لعبهم مزاحًا خشنًا كالعض والخدش، كذلك غير مسموح للطفل بتقريب وجهه من الحيوانات أكثر من اللازم أو استفزازهم بشد الذيل أو خطف اللعب والطعام منهم ويجب عدم إزعاجهم أثناء الأكل أو النوم أو اللعب مع الحيوانات الصغيرة في وجود الأم.
- تأكد من حصول حيوانك الأليف على كافة التطعيمات اللازمة وعدم خروجه للتنزه دون الطوق والسلسلة أو الليش بصحبة شخص بالغ يمكنه التصرف والسيطرة في حالات الطوارئ.
كيفية التصرف في حالات الهجوم
في أغلب الحالات يكون الهجوم من كلب أو مجموعة كلاب، في هذه الحالة يجب أن يتبع الطفل بعض التعليمات الأساسية:
- النباح العالي، الذيل المرفوع، الجسد المتخشب في وضعي متحفز مع نظرة ثاقبة، علامات هجوم متوقع.
- حاول أن تظل ثابتًا قدر الإمكان مع مواجهة الكلب دون النظر مباشرة إلى عينيه لأنه يعتبر ذلك تهديدًأ، حاول أن تنسحب إلى الخلف بهدوء وثبات، إذا كنت تركب دراجة انزل من فوقها وتوقف متخذًا الدراجة ساترًا بينك وبينه، بعد قليل سيفقد الاهتمام بمطاردة هدف ثابت.
- إذا هاجمك كلب وأسقطك أرضًا، اتخذ وضع الجنين مع حماية الوجه بالذراعين، إصابات الوجه والرقبة هي الأخطر والأكثر شيوعًا،
بالطبع بعد الهجوم لا بد من التوجه للطوارئ على الفور لاتخاذ الإجراءات الطبية وجرعات التطعيم اللازمة.
اهتمام الإنسان بالحيوانات جزء من اهتمامه ببيئته وميله الفطري للتواصل مع الطبيعة منذ آلاف السنين، فقد استأنسها واستخدمها للصيد وحفر صورها على جدران الكهوف، بل حتى أنه قدسها وعبدها وقام بتحنيطها ودفنها مع المتوفى وممتلكاته الثمينة، كان إيذاء القطط جريمة قد تصل عقوبتها إلى الموت، فهل كان أجدادنا أكثر تحضرًا؟ أم أن التحضر هو الأقرب للفطرة؟
يمثل الأطفال والحيوانات البراءة والفطرة في أنقى صورها، الفطرة السليمة المحبة للخير المتصالحة مع الطبيعة، لذلك قلما نجد طفلًا يكره الحيوانات أو يتعمد إيذاءها بالفطرة إلا لو كان يعاني خللًا نفسيًا يحتاج التدخل العلاجي، فالحيوانات أصدقاء مقربة ربما أكثر من بعض أفراد العائلة بالنسبة للطفل، قد يتعلم طفلك من كلب أو قطة أو حتى كتكوت صغير الكثير من الدروس والمهارات التي ربما لن يمكنك تعليمه إياها بنفسك، اتخذ لعائلتك صديقًا أليفًا واستمتعوا معه بالرجوع للفطرة السوية، التي أوشكت على الاختفاء بين جدران الشاشات المضيئة.