في رحلتنا مع أطفالنا أحيانًا يعكر صفونا سلوكيات تتركنا في حيرة من أمرنا مثل: الصراخ غضبًا والتمرغ في الأرض، مص الأصابع، العند وقول «لأ»، التنصل من المهام المطلوبة، التلفظ بألفاظ بذيئة، بعض تلك السلوكيات تسبب لنا صدمة وشعورًا بالذنب والتقصير تجاه تهذيب أطفالنا وبعضها لا نستطيع تحديد ما إذا كانت تلك السلوكيات طبيعية أم أنها تحتاج إلى تقويم، ونفكر هل نتجاهل هذا الأمر أم نتخذ إجراءات حاسمة تجاهها؟ ليست دائمًا الحدود بين ما هو طبيعي وغير طبيعي في سلوكيات الأطفال تكون واضحة، وفي مرات عديدة قد تؤرقنا أزمة لليالي طوال ثم نكتشف بعد ذلك أن الأمر لم يكن يلزمه كل هذا القلق، وأن هذا أمر يمر به كل الأطفال ثم ينتهي دون أي تدخل يذكر، فكيف يمكننا تحديد هذا الخط الفاصل الدقيق بين وجود مشكلة حقيقية أو كون سلوك الطفل هو حدث عارض أو ميزة تفردية يتميز بها؟ وكيف نحدد سلوك الطفل الغير طبيعي لنتعامل معه معاملة خاصة باستشارة الطبيب.

سلوك طبيعي أم غير طبيعي؟
عندما نكون على دراية بما هو متوقع قبل كل مرحلة لتطور الطفل، نكون قد قطعنا شوطًا كبيرًا في تحديد طبيعة سلوك الطفل وما إذا كان يستحق الانتباه له أو تقويمه، وهذا ما تقدمه العديد من برامج تنمية المهارات وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة مثل برنامج بورتاج الذي يحتوي المهارات المتوقعة في كل مرحلة عمرية من 0 إلى 6 سنوات وأنشطة مقترحة لتنميتها. تلك المراحل، وإن كانت لها صلة بعمر الطفل، ولكن تطوره ونموه لهم دور كبير في معرفة المرحلة التي يمر بها، فهناك بعض الأطفال يدخلون مرحلة من مراحل النمو في عمر أبكر من أقرانهم، وهناك من يتأخر بعض الشيء، إذًا لا يمكن إحالة ما هو طبيعي أو لا فقط لعمر الطفل فأيضًا البيئة المحيطة به والظروف الاجتماعية والنفسية، والموقف المحدد الذي ظهر السلوك نتيجة له، كل هذه المعايير يجب أن تؤخذ في الاعتبار عند التعامل مع سلوكيات الأطفال، سواء بالتدخل أو التجاهل أو التكيف، وعلى الرغم من تعدد تلك المعايير وأهميتها فإن هناك بعض السلوكيات الشائع اعتبارها مؤشرا سيئًا وهي ليست كذلك:
كثرة البكاء: هل تصرفات ابني غير طبيعية؟
هناك بعض الأطفال يستثارون بسهولة ويكون رد الفعل الأول لهم هو البكاء، فهم لا يطيقون الصوت العالي والملامس غير المألوفة والروائح النفاذة والأطعمة الأسخن أو الأبرد أو الأطرى أو الأقسى من اللازم، يتألمون بشدة من جرح صغير ويملؤون الدنيا صراخًا لسبب بسيط لا يستدعي كل هذا، هؤلاء الأطفال يتعرضون للانتقادات القاسية والمقارنات والتعامل مع حساسيتهم المفرطة بالكبت أو الإفراط في الدلال لتجنب مواجهة ثوراتهم ،ولكن الحقيقة أن هذه ليست مشكلة سلوكية لدى الطفل، وأن يكون حساسًا فهذه طبيعة شخصية المتسبب فيها امتلاكه لجهاز عصبي أكثر حساسية للمثيرات المحيطة، الأمر فقط يحتاج لفهم تلك الطبيعة والتعلم عنها.
اقرأ أيضًا: الطفل الحساس، تحديات وحلول
الحركة الكثيرة: فرط حركة أم سلوك طبيعي؟
في زمننا الحالي يعيش الأطفال في بيئة منغلقة بعيدة عن الطبيعة، يقضون معظم الوقت خلال يومهم داخل البيوت أو في الفصول الدراسية تحدهم الحوائط عن الحركة بحرية وتفريغ طاقتهم المفرطة، ولكنهم يحتاجون الحركة والنشاط لنموهم البدني والمهاري بل والنفسي كذلك، وفي ظل تلك البيئة المحدودة يحاول الطفل أن يمارس الفطرة الطبيعية التي جبل عليها فيلعب ويتحرك في حدود المتاح له، ولكن يحدث الصدام لأننا نتوقع عكس ذلك نتوقع أن يبقى الطفل في فصله ثابتًا في مكانه لمدة طويلة منتبهًا لدروسه، وإن كانت مملة، ونتوقع منه أن يكون حذرًا في المنزل حتى لا يتسبب في تلف مقتنياتنا الثمينة، ونطلب منه التزام الهدوء في الأماكن التي نخرج فيها خشية نظرات المحيطين اللائمة، فكم تبقى له من الوقت ليتحرك بحرية ويجري ويلعب؟ ما هو أصلًا المقياس الذي نقيس عليه كثرة الحركة أو قلتها؟ قبل أن نحكم على مستوى فرط حركة الطفل علينا أولًا أن نوفر له بشكل يومي مساحة حرة للعب والحركة دون قيود.
اقرأ أيضًا: فرط الحركة: كثيرون حول الهري، قليلون حول الحقيقة

تقليد الأطفال المستمر: هل هو سلوك طبيعي؟
الصغير يمسك القلم ويضعه في فمه كسيجارة يدخنها، يتلفظ لفظًا بذيئًا، يردد أغاني غير لائقة سمعها، يبصق على الناس، تصرفات مزعجة يلتقطها الأطفال من الأشخاص حولهم في بيئتهم، ولكن هكذا يتعلم الأطفال العديد من الأشياء، محاكاة وتقليد الكبار من حولهم حتى وإن كانوا لا يفهمون تمامًا ما هو الشيء الذي يقلدونه، الأمر لا يختلف عن تقليد طفلة صغيرة لأمها وهي تضع مساحيق التجميل على وجهها أو ترتدي حذاءها ذا الكعب العالي، ولا يختلف عن طفل يمسك الهاتف ويصدر أصواتًا بتعبيرات صوتية كأنه يتحدث إلى أحد ما، هذا أيضًا سلوك طبيعي، ولكننا ننتبه له أكثر من اللازم خشية استمراره.
كيفية التعامل مع سلوكيات الاطفال

نفس الفعل، طبيعي مرة وغير طبيعي مرة: كيف تفرق وما رد الفعل المثالي؟
تلك السلوكيات وغيرها قد تكون طبيعية في مرحلة ما من حياة الطفل، ولكنها قد تكون حقًا مشكلة سلوكية في مرحلة أخرى، فطفل في الثالثة من عمره يعبر عن غضبه بالصراخ والبكاء والتقلب في الأرض هذا أمر طبيعي، ولكن أن يكون هذا هو رد فعل لطفل تخطى عامه العاشر فهو بالتأكيد أمر يستحق التدخل، فطفل في هذا العمر من المفترض أن يكون قد اكتسب مهارات ووسائل وخبرات حياتية تساعده للتعبير عن نفسه بشكل أكثر اتزانًا، تدخلنا هذا يجب أن يكون بعد اكتساب وعي كاف عن قدر تأثير ردود أفعالنا على سلوك الأطفال الممتد.
التدخل الزائد أو المبالغة في تقدير موقف بسيط قد يؤدي لحدوث تعقيدات لم تكن لتحدث إن لم نبالغ في رد فعلنا أو لإطالة مدة ممارسة الطفل لسلوك كان من المفترض أن يكون عابرًا ومؤقتًا، كذلك تجاهل سلوك غير طبيعي في المرحلة التي يمر بها الطفل أو اللجوء لحلول سطحية وسريعة لسلوكيات السبب فيها مشكلة عميقة قد يؤدي إلى نفس النتائج.
أحيانًا مرور الأبوين بظروف نفسية صعبة يكون حافزًا كافيًا لظهور سلوكيات غريبة على الأطفال، الأب أو الأم عندما يشعرون بالغضب قد يصعب عليهم السيطرة على انفعالاتهم، فتظهر سلوكيات سلبية على الأطفال كرد فعل نفسي على البيئة المتوترة حولهم فيزيد هذا من غضب الآباء، إنها دائرة لعينة تحتاج لكسرها، فالتركيز على السلوكيات العابرة أو الظرفية قد يثبتها ويصعب على الطفل التعافي منها.
أحيانًا أيضًا قد تتقبل الأم سلوكًا ما من طفلها كلعبه في الرمال والطين لوعيها بفائدة هذا الأمر له، ولكن هذا يحدث فقط إن كانوا بمفردهم، وفور وجود أشخاص تخشى الأم نظراتهم اللائمة تضطر للتعامل مع أمر طبيعي تمامًا كما لو كان مشكلة فيتشتت الطفل ويفقد القدرة على التمييز بين ما هو مقبول أو غير مقبول، وقد يؤثر هذا على ثقته تجاه ردود فعل أمه.
اقرأ أيضًا: الطفل والطبيعة: ماذا يفعل اللعب البيئي في طفلك
الأطفال أحيانًا يميلون لكسر القواعد كنوع من اختبار الحدود لآبائهم، وأحيانًا يمارسون سلوكًا خاطئًا وكثيرًا ما يكون سلوكًا طبيعيًا، ولكن تم وصمه فيظلم الأطفال عند اتخاذ رد فعل غير مناسب، الحل هو التعلم عن خصائص كل مرحلة يمر بها الطفل والاستعداد لها مسبقًا، وإذا لاحظت سلوكًا مقلقًا من طفلك لا تستطيع أن تحدد ما إذا كان طبيعيًا أم لا، فلا ضرر من الاستعانة بمشورة من متخصص عند الحاجة.