ماما، خديني معاكي.. أنا خايف أنام لوحدي.. في عفريت في الدولاب.. متطفيش نور الأوضة.. مش هعرف أحل في الامتحان
تبدو عبارات مألوفة للبعض يسمعونها يوميًا مصحوبة بالاستعطاف أو البكاء أو حتى الغضب، أحيانًا رغم تعاطفنا مع أطفالنا لا نعرف كيف يمكننا التعامل مع مخاوفهم، هل نتجاهلها أم نجبرهم على مواجهتها، هل طفلي جبان، إلى متى سيظل ملتصقًا بي كظلي، هل يجب أن أستشير الطبيب؟
الخوف غريزة أزلية وضرورية للبقاء، مغروسة في أجسادنا منذ آلاف السنين، وهي تنتقل إلى جيل بعد الآخر نظامًا فطريًا متوارثًا للحماية الذاتية، يولد به الأطفال ويتطور معهم بل ويحميهم من الخطر أحيانًا؛ فالطفل الذي يخاف من النار سيتجنب الاقتراب منها أو محاولة لمسها، ولكنه أحيانًا يتجاوز الحدود الطبيعية ويصبح حالة مرضية وللأسف قد يتسبب الوالدان في ذلك أو يجعلان الأمر أسوأ دون قصد. عبارة «أنا خايف من…» قد تكون مدخلًا لنفق مظلم أو مخرجًا منه، يعتمد الأمر كله على رد فعل المتلقي خاصة الوالدين.
مخاوف الأطفال الطبيعية حسب السن
البكاء والصراخ والالتصاق بأحد الوالدين وعدم الرغبة في النوم بمفرده ردود أفعال طبيعية تختلف باختلاف السن وطبيعة المخاوف المصاحبة له:
الرضّع حتى 8-9 أشهر
يخاف حديثو الولادة من الأصوات العالية أو الحركة المفاجئة، عند سن 8-9 أشهر يستطيع الطفل تمييز الوجوه المألوفة ويشعر بالخوف عند التعرض لوجه جديد فيبكي أو يلتصق بوالديه.
من 10 أشهر إلى عامين
من الطبيعي في هذه السن أن يخشى بعض الأطفال الانفصال عن الوالدين، قد يصبح السلام عند باب المنزل أو الحضانة مشهدًا دراميًا بامتياز، الكثير من الدموع والصراخ والتعلق بالأم، يسمى ذلك قلق الانفصال الذي قد تعانيه الأم أيضًا فتشعر بالحزن والذنب عندما تترك الطفل خاصة إذا تأثرت بالمشهد السابق، ربما يستمر قلق الانفصال لبعد العامين حسب طبيعة الطفل والوالدين.
من 3 إلى 6 أعوام
لعدم قدرتهم على الفصل بين الواقع والخيال، خاصة إذا كان الخيال مخيفًا، تتميز مخاوف الأطفال في هذه السن بكونها خيالية كالخوف من الوحوش أو العفاريت والظلام والأقنعة أو عرائس الشو الكبيرة في الحفلات وأعياد الميلاد والحيوانات الضخمة، كذلك أو الخوف من الأصوات العالية التي لا يعرفون مصدرها كالبرق والرعد أو الألعاب النارية أو الخوف من الكوابيس.
من 7 إلى 12 عامًا
: تتسم المخاوف في هذه السن بميلها للواقعية، حيث يستطيع الطفل التمييز بين الواقع والخيال فبدلًا من العفريت، يخشى الطفل دخول لص إلى المنزل أو من حدوث كارثة طبيعية أو حادث إرهابي، بعض الأطفال يعانون الخوف من فقد أحد أفراد العائلة أو الأصدقاء، أحيانًا ينتابهم القلق حول الأداء الدراسي أو الرياضي أو حتى القدرة على تكوين صداقات جديدة.
مرحلة المراهقة
تتميز بتغيرات واضطرابات كثيرة على المستويين الجسدي والنفسي يصاحبها مخاوف بخصوص التغيرات الجسدية والعلاقات الاجتماعية والدراسة والمستقبل.
ليس بالضرورة أن يمر الطفل بكل المخاوف الطبيعية في سنّه بنفس الترتيب أو أن تختفي هذه المخاوف تمامًا بدخوله في مرحلة عمرية جديدة، بعض المخاوف قد تمتد مع الطفل لسنوات أو تتبدل بمخاوف جديدة، وأحيانًا يثير خوف الطفل مؤثر معين كأن يخشى القطط دون الكلاب مثلًا.
كيف تتعامل عندما يشعر طفلك بالخوف؟
حتى لو بدا سبب الخوف غير منطقي أو حقيقي إلا أن الشعور بالخوف في حد ذاته حقيقي ويؤثر على الطفل ويتحكم في تصرفاته، مساعدة الطفل على مواجهة مخاوفه هي أفضل طريقة للتغلب عليها، كذلك دعم قدرة واستقلالية الطفل ومنحه الشعور بالقوة والأمان وقيمة الذات، يساهم في تكوين بناء نفسي سليم لديه القدرة على مواجهة الخوف والتغلب عليه.
1. احترم مخاوف طفلك
على عكس مما يظن كثير من الناس تجاهل الخوف أو إنكاره يجعله يتفاقم، عبارات مثل: «بلاش دلع، مفيش حاجة تخوف» لا تساعد الطفل على الإطلاق، بل تجعله يشعر بالذنب إلى جانب الخوف
حتى لو كنت تعرف الإجابة اسأل طفلك عن سبب خوفه واستمع له جيدًا مبديًا تعاطفك معه دون مبالغة مع محاولة تهدئته واحتضانه أو مساعدته على التنفس ببطء حتى يهدأ.
2. الثقة والإبداع يساعدان
عند التحدث مع طفلك عن مخاوفه تحلى بالهدوء والثقة والإبداع أيضًا، يمكنك تشجيعه على التعبير عن خوفه ومواجهته بالرسم أو بقص الحكايات، أو بابتكار لعبة أو عبارة: «أنا مش هخاف.. أنا هقدر أبقى شجاع» أو حتى أغنية لمساعدته على مواجهة المواقف التي تثير مخاوفه.
3. تقنية السلّم
المبالغة في حماية الطفل وعزله عن كل ما يثير مخاوفه لا يقل ضررًا عن إجباره على مواجهة الخوف دون أن يكون مستعدًا كفاية، كلاهما يؤدي إلى تفاقم المشكلة، ما العمل إذًا؟
الحل الأمثل لمساعدة الطفل على مواجهة الخوف والتغلب عليه هو تعريضه للمواقف التي يخشاها بالتدريج وفقًا لاستعداده؛ تمامًا مثل تسلق درجات السلّم خطوة بخطوة، طبعًا بالاتفاق مع الطفل ومراعاة استعداده لكل مرحلة.
4. الدعم والصبر
لا ترفع سقف توقعاتك كثيرًا ولا تحبط سريعًا، ربما يحتاج طفلك إلى وقت أطول أو تجربة أكثر من طريقة أو الرجوع خطوة إلى الوراء في درجات السلم، يساعده كثيرًا تقديم الدعم وتشجيعه ومكافأته عند تجاوزه كل مرحلة.
5. مراقبة المحتوى
عدم عزل الطفل عن مسببات الخوف لا يعني تعرضه لمحتوى غير مناسب لسنّه، مثل أفلام الأكشن والمشاهد العنيفة وحتى بعض أفلام الكارتون ذات المؤثرات القوية أو القصص المرعبة.
6. لا تستخدم سلاح الخوف
مهما كان تصرفه مستفزًا أو خارجًا عن السيطرة أو حتى كان خطرًا، لا تستخدم أبدًا التخويف كأداة لتهذيب طفلك، وبالطبع لا يمكن اعتبار ترويع طفل مادة للضحك، ربما ما زال معظمنا يتذكر تهديدات والدته بـ«أبو رجل مسلوخة» حتى اليوم.
7. انتبه لتصرفاتك
من البديهي أن يرتعب الطفل من الحشرات إذا كانت الأم تدخل في حالة هيستيرية عند رؤية صرصار أو يرفض نزول حمام السباحة أو ركوب المصعد إذا رأى والده يبدي قلقه تجاه أحدهما، طبيعي أن يصرخ طفل عند رؤية طبيب الأسنان مثلًا لأول مرة، لأن والدته حكت في وجوده كم كانت تجربتها في خلع ضرس العقل مؤلمة، لذلك انتبه دائمًا لردود الأفعال والأحاديث المتداولة أمام الأطفال.
مخاوف طبيعية أم مرضية؟
قد يظن البعض أن الإصابة باضطرابات القلق المختلفة كالوسواس القهري والفوبيا بمختلف أنواعها تقتصر على الكبار فقط، ولكنها للأسف يمكن أن تصيب الأطفال أيضًا إما لأسباب وراثية أو اضطرابات كيميائية في المخ أو بعد التعرض لصدمة أو للأسف بسبب الأسرة سواء كانت تمارس التربية بالتخويف أو كان أحد أفرادها يبالغ في إظهار الخوف والتوتر معظم الوقت، لذلك يجب الانتباه لبدايات أعراض الخوف المرضي لدى الأطفال واللجوء للمتخصصين للمساعدة والعلاج عند اللزوم:
- إذا كان الخوف يسبب تجنب الطفل مخاوفه والهروب منها، وإذا لم يكن ذلك ممكنًا يدخل الطفل في نوبات من البكاء والصراخ، وقد يتصلب جسده ويلتصق بوالديه، ربما يسبب اضطرابات في النوم أو عادات سيئة كقضم الأظافر ومص الأصابع.
- إذا تسبب الخوف في تغيرات جسدية كزيادة ضربات القلب وتعرق اليدين والصداع وألم المعدة.
- المبالغة في الأسئلة حول مسببات الخوف المرضي أو زيادة التعبيرات السلبية أو استباق سيناريوهات مخيفة.
- ذا كان رد الفعل تجاه الموقف أو الشيء المخيف مبالغًا به ودون تفسير ولا يمكن السيطرة عليه.
- إذا كان الخوف غير مناسب لمرحلة الطفل العمرية؛ مثلًا: خوف طفل عمره 10 سنوات من النوم بمفرده أو إذا استمر لفترة زمنية طويلة ويؤثر على ممارسة الطفل لأنشطته اليومية بشكل طبيعي.
على الرغم من أن الأطفال ليس لديهم ما يقلقنا كبالغين، لا التزامات ولا أعباء مادية، لا يواجهون تحديات اجتماعية وتربوية، عالمهم بسيط ونقي وعلاقاتهم غير معقدة فإنهم يولدون ولديهم خاصية الخوف في السوفتوير الخاص بهم، تتطور معهم ويتعايشون معها ويمكنهم تجاوزها بسهولة معظم الوقت، لذلك لا داعي للقلق منها ما دام كانت طبيعية ومناسبة لسن الطفل ولا تؤثر على حياته سلبًا، بالعكس يمكن استغلال مخاوف الطفل الطبيعية لتعليمه مواجهة نقاط ضعفه واستغلالها إيجابيًا وتدعيم بناء نفسي قوي يتسم بالشجاعة.
يقول نيلسون مانديلا: «تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف، ولكن القدرة على التغلب عليه، فالرجل الشجاع ليس من لا يشعر بالخوف، ولكنه الرجل الذي يقهر خوفه».