في نزهة كنت تأملين أن تكون جميلة وممتعة مع طفلك، تجلسين مسترخية محاولة أن تنفصلي ولو لساعات عن كل الأعباء التي تثقلك، يلعب صغيرك مع الأطفال حوله في مرح وفجأة تسمعين صوت ضربة قوية وطفلًا يصرخ، ثم تكتشفي أن طفلك هو المعتدي، في لحظات خاطفة تتوارد الأفكار سريعًا داخل عقلك: «ابني ضرب الطفل -ابني عنيف -ابني سيكبر ليكون شخصًا مؤذيًا» ثم تقفزين للاستنتاج الأقسى على الإطلاق: «أنا أم فاشلة».
يقفز الوحش الكامن بداخلك والذي حبسته لفترة طويلة يدفعك دفعًا دون وعي منك لينقض على الصغير، وحش الغضب قد يخرج في شكل عنف بدني أو لفظي أو حتى بجذب طفلك جذبًا لإنهاء هذه النزهة فورًا، النظرات حولك تزيد من حجم الوحش وترميك باتهامات صامتة، يغلبك الغضب وينتصر عليك ويجعل موقفك لا يختلف كثيرًا عن أي طفل صغير يضرب بقدميه الأرض في نوبة من نوبات غضبه، تلك الدائرة القاسية لا تتوقف عند هذا الحد، ولكن غالبًا ما يتبعها أيضًا إحساس بالذنب يزيد من حدة الموقف.
الغضب بين المحفز والسبب
وحش الغضب لا يظهر فقط في مواقف كتلك، ولكنه قد يخرجه من محبسه محفز قوي كتملص طفلك من يدك وجريه بين السيارات مما يعرضه للخطر، أو آخر بسيط كنسيانه قلمه في المدرسة وإضاعته له، على الرغم من أننا في أوقات أخرى نستطيع أن نكون أهدأ في حالة حدوث نفس المواقف أو حتى أشد منها، فهل سلوك الطفل هو فعلًا السبب لغضبك؟ أم إنه مجرد محفز قد أطلق عنان الوحش الكامن الذي خلقته ضغوط الحياة؟
الكثير منا قد شعر بالفخر ولو لمرة تفاجأ فيها بقدرته على تخطي تحد صعب مع طفله، العامل المشترك في تلك المرات كان هو الهدوء الجالب للحكمة، وعلى العكس ما يربط كل تلك المرات التي ظهر فيها وحشنا هو فقدان سيطرتنا على أنفسنا، لحظات الغضب التي نمر بها تجعلنا في وقتها نشعر أننا لدينا كل الحق فيما نفعل ونقول لأنفسنا كيف لهذا الطفل أن يكون بكل هذا القدر من عدم التقدير أو المسؤولية!
إن كنا نستطيع التعامل مع خطأ ما لطفلنا مرة بهدوء وحكمة ومرة أخرى بغضب شديد فإن هذا يعني أن سلوك الطفل لا يكون حقًا هو السبب في غضبنا الشديد، ولكن غالبًا ما يكون السبب هو ضغوطات الحياة الأخرى وسلوكيات أطفالنا لا تكون إلا محفزًا يدغدغ هذا الوحش فيطلق سراحه.
الغضب على الأطفال أمر مخجل للحديث عنه، بداخلنا جميعا نؤنب أنفسنا عليه ولكن لا نحب الحديث عنه، فنحن نعلم جدًا أنه لا علاقة له بتهذيب أطفالنا ولا يجدي نفعًا، فالغضب مختلف تمامًا عن الحزم، رغبتنا في تلقين هاك الطفل درسًا على فعلته وقت غضبنا لا يكون الدافع لها وقتها هو الحب أو الاهتمام ولكنه الانتقام، تلك النظرات والنصائح التي توجه لنا ونحن في أوج غضبنا تزيد الأمر سوءًا، ولا نتحمل أن يحكم أحدهم علينا بأننا نؤذي أطفالنا، هذا صعب تقبله، ولكن بعد مرور العاصفة يمكننا ملاحظة أن حقًا المشكلة كانت بداخلنا، وإننا أنكرنا مشاعرنا التي تتعلق بنمط الحياة السريع لفترة طويلة، تجمعت كل مشاعر الحزن والألم والإحباط وقلة الحيلة لتنصب على دائرة الأمان المتمثلة في الصغار فهم ضعفاء ويحبوننا ولكن أليست هاتان الصفتان أولى بأن نحسن رعيتهم بدلًا من أن نطمئن لوجودهم ونصب عليهم مشاكلنا كمكب لنفايات أنفسنا التي لا نتحملها بداخلنا؟
وقع غضب المربي على الأطفال
لتستطيع تفهم الأثر السيئ للغضب على الأطفال تخيل أن هناك من يفوق حجمك مرتين على الأقل فاقد السيطرة على نفسه ويصرخ في وجهك أو يهددك أو يميل بجسده نحوك ليصفعك أو يمسكك بقوة، إن قابلك من هو مثل هذا الشخص في أي مكان تتصور ماذا سيكون أثر هذه التجربة على مشاعرك وتقديرك واحترامك لذاتك؟ الآن تخيل معي إّن كان هذا الشخص هو الذي تعتمد عليه في الأصل لإمدادك بالأمان والرعاية والحب وأن يكون هو همزة الوصل بينك وبين العالم المحيط فيعرفك عليه ويحميك من مخاطره، كيف يمكن لمصدر الأمان أن يكون هو الخطر؟!
استخدام الغضب مع الأطفال كأسلوب للتهذيب يجعلهم:
- أكثر استعدادًا للعنف والعدوانية.
- أقل تعاطفًا مع آلام الآخرين.
- أكثر عرضة للانحرافات.
- أكثر استعدادًا للاضطرابات النفسية.
ولكن كل المربين معرضين لفقدان السيطرة على مشاعر الغضب لديهم ولكننا نحتاج أن نذكر أنفسنا دائمًا بنتائج أفعالنا لنستطيع التعامل معها.
كيف نتعامل مع الغضب حتى نحجم أضراره على أطفالنا؟
عند لحظات الغضب تتعامل أجسامنا مع الموقف كما تتعامل مع حالات الخطر الطارئة فيفرز جسدنا هرمونات تسبب تشنجًا وتوترًا للعضلات، وتسارع في النبض والتنفس، في تلك اللحظات يكون العدو الذي تواجهه هرمونات جسدنا هو الطفل، ونأخذ أحد ردود الأفعال الثلاثة (صراع – هروب – تجمد) وغالبًا نظرًا لضعف العدو نختار الصراع فنلقن الطفل درسًا نظن أنه لن ينساه وهذا يجعلنا نشعر لحظيًا بالراحة قليلًا وسرعان ما نتيقن أننا لم نعلم الطفل شيئًا بالغضب فتنسحب راحتنا اللحظية منا مرة أخرى.
فما البدائل التي تجمع بين إمدادنا بالراحة المطلوبة وعدم تعريض الطفل لأضرار الغضب؟
- تعلم عن طفلك: معظم لحظات الغضب التي تنتاب الآباء تتعلق بما يتوقعون حدوثه من أطفالهم ويفشلون في تحقيقه، لذلك من المهم للغاية التعلم عن التوقعات المناسبة لكل مرحلة عمرية يمر بها الطفل حتى لا ننتظر منه أمر ما ليس في استطاعته الاستجابة له، نظرتنا للحدث من زاوية منصفة يجعلنا أكثر هدوءًا عند التعامل معه.
- اهرب: بدلًا من الصراع يمكنك اختيار الهروب بعيدًا عن الطفل لدقائق، وستكون هذه فرصة للطفل أيضًا ليهدأ مثلك تمامًا، وعيك بمؤشرات غضبك يجعلك تستطيع الهروب في الوقت المناسب قبل لحظة فقدان السيطرة، استخدام بعض تقنيات ضبط النفس مثل تغيير وضعيتك أو التنفس العميق أو العد العكسي أو غسل الوجه بجانب أنه يساعدك في تهدئة نفسك فهو أيضًا يمثل لطفلك صورة جيدة كقدوة له في كيفية التعامل مع غضبه، قل له «أنا غاضب جدًا الآن وأحتاج أن آخذ مهلة ثم سأعود».
- التفريغ البدني: هناك من يلجـأ في لحظات غضبه للكم وسادة أو السباب والصراخ في مكان منعزل، ولكن تلك السلوكيات تزيد من حدة الغضب لأنها تؤكد للعقل فكرة أن هناك أمرًا طارئًا وخطيرًا، بدلًا من ذلك يمكنك ممارسة بعض الرياضة كالعدو الخفيف أو اليوجا أو تحريك كفي اليد يمينًا ويسارًا.
- استخدم قواعد واضحة: عندما لا تكون هناك حدود وقواعد واضحة للطفل غالبًا ما يسيء التصرف وتكون أفعاله متعلقة بمستوى حماسه وفضوله ورغباته، دور القواعد هو تهذيب هذه الرغبات لتناسب كل الأطراف، عندما يعبث الطفل مرات عديدة بمتعلقاتك ولا يوضع له حدود لهذا فمن غير المنطقي أن يلام إن تسبب في قطع عقدك الغالي في إحدى المرات، لم تكن هناك قاعدة له لتبعها من البداية.
- تعمد خفض صوتك: الصراخ والتهديدات في لحظات الغضب تصعد الحدث لمستويات أصعب في إصلاحها، عندما يكون رد الفعل على سلوكيات الطفل صراخ وتهديد يتولد لدى الطفل إحساس بالإهانة والظلم مما يجعله يركز على هذا بدلًا من التركيز على سلوكه الذي حفز غضبك هذا، أيضًا أنت كلما تكلمت بنبرة هادئة كان الطفل أكثر استجابة لما تقول.
- ابحث عن الشعور الخفي: شعور الغضب ليس سيئًا بحد ذاته، ولكن سلوكنا وقت غضبنا هو ما قد يجعله كذلك، أحيانًا نحتاج للبحث عن الدافع الحقيقي للغضب، قد يكون شعور الألم هو المحفز لاستجلاب الغضب، قد يكون الخوف من المستقبل، أو الحزن لفقدان قريب، حتى لا تجرح طفلك بإسقاط ما وصلت إليه على عاتقه من المهم أن تعرف الدافع الحقيقي لما تشعر به.
- أجِل القرارات: في لحظات الغضب لن تكون قراراتك موضوعية أو عادلة، تأجيل قرار العاقبة المناسبة أو القرار الصحيح سيكون في صالح الجميع فلا يظلم الطفل ولا يندم المربي، يمكنك استخدام تعبيرات مثل «دعنا نفكر فيما حدث حتى أنتهي من عملي هذا، وتنتهي أنت أيضًا من إتمام فروضك ثم نتناقش معًا فيما سنفعل لإصلاحه، حتى هذا الوقت أنا أتوقع منك كذا».
- اعتذر: إن لم تستطع إتباع أي من وسائل ضبط النفس ووقعت في الغضب على طفلك، اعتذر وأخبره بحقيقة ما تشعر به، قد يخطئ طفلك للقدر الذي يجعلك تصل إلى هذا الحد ولكنك أيضًا مسؤول عن ردود أفعالك التي صدرت منك، اعتذارك يفهم طفلك أن الخلافات مسؤولية مشتركة بين الطرفين، كل منهم له دور في بناء العلاقة السوية.
عندما ترى طفلك لم يعد يخشى غضبك، فهذه إشارة خطر تعني أنه قد تعرض للكثير منه حتى إنه أصبح لا يعني له شيئًا وأن عقله قد طور وسيلة دفاعية ضد غضبك وضدك وهي اللامبالاة تجاهك وهذا يجعله يميل أكثر للانفتاح تجاه اكتساب القيم والأخلاقيات من خارج المنزل، جيدة كانت أو سيئة وينقلب دورك كمربٍ لمجرد مصلح يحاول رتق ما يحدث من تشوهات يكتسبها من الخارج وهذا أمر لا نريده أبدًا، غضبك كمربٍ على طفلك أمر طبيعي أن يحدث، ولكن كونه عادة أو أسلوب للتهذيب هو ما قد يوقع ضررًا على طفلك، ولكن تعاملك الصحيح مع غضبك قد يكون خير قدوة يقتدى بها.