يرن جرس المُنبِّه معلنًا بداية صباح صاخب جديد حيث الركض في أرجاء المنزل بحثًا عن حقيبة المدرسة و«اللانش بوكس» وتوك الشعر، والهرولة للحاق بحافلة المدرسة ثم الوصول للعمل متأخرة للمرة الألف، يوم حافل بالكثير من المهام في العمل والمنزل وكالعادة القليل جدًا من الوقت، لا يمكنك تذكر آخر مرة تناولتِ فيها وجبة صحية متكاملة ومنمقة أو آخر مرة رأيت صديقاتِك، بل أوشكتِ على نسيان صديقاتِك من الأساس، يطاردك الشعور بالذنب والتقصير تجاه أسرتك التي لم يعد أفرادها يقضون وقتًا كافيًا معًا وتجاه أطفالك المستهلكين دائمًا، وأنتِ معهم، بين المدرسة والدروس والواجبات والتمرينات، هم أيضًا في مطحنتهم الخاصة ولا وقت لديهم للمرح أو المشاركة في مسئوليات المنزل، ينتهي يومك أكثر صخبًا مما بدأ وتسقطين مغشيًا عليكِ فوق السرير استعدادًا لمطحنة الغد، إذا كان السيناريو السابق يصف حياتك اليومية، حان الوقت ليرن جرس إعادة التنظيم ووضع روتين جديد لأسرتك.
أهمية الروتين للأسرة
روتين مناسب = حياة أسهل
وضع روتين مناسب يساعد الأم على سرعة إنجاز المهام وقضاء وقت أطول مع العائلة دون الشعور بالذنب أو التقصير كما أنه يجعل التفاصيل اليومية أسهل كثيرًا؛ فالصباحات الصاخبة ستمر أسرع وأسهل إذا التزم كل فرد في الأسرة بدوره المحدد مسبقًا، حتى الذهاب للشاطئ يصبح أقل إرهاقًا وفوضوية عند اتباع روتين مناسب.
توطيد الروابط الأسرية
ممارسة نشاط جماعي أو عقد اجتماع عائلي أسبوعي أو شهري والتزام أفراد الأسرة بالاجتماع على مائدة الطعام لوجبة واحدة على الأقل فرصة ذهبية لتوطيد العلاقات الأسرية، نصف ساعة من التواصل الإنساني بين أفراد الأسرة بدون هواتف ذكية، كل يسرد أحداث يومه ويستمع الآخرون ويتناقش الجميع في القرارات المشتركة، كما أنه يساعد على تقوية العلاقة الأخوية بين الأطفال.
علاقة زوجية مستقرة
وسط زحام التفاصيل اليومية وتزايد الأعباء والمسئوليات قد تتوتر العلاقة بين الزوجين وتتحول إلى قائمة من المهام والطلبات اللانهائية، الحفاظ على بعض الطقوس أو الروتين الخاص مهما كان بسيطًا كفنجان قهوة صباحي يوم الإجازة، أو السهر لمشاهدة فيلم كل أسبوع، يبعث الدفء في العلاقة الزوجية.
أهمية الروتين للطفل
1. يساعد الروتين الطفل على تعلم قيمة الوقت وكيفية التنظيم وإدارة المهام
وإشراكه في روتين المنزل يرسخ قيم التعاون وتحمل المسئولية، كما أن تمكّن الطفل من الالتزام بالروتين معتمدًا على نفسه يساعده على الشعور بالاستقلالية.
2. التزام الطفل بروتين لغسل يديه وتنظيف أسنانه وتفاصيل نظافته الشخصية يساعده على اكتساب عادات صحية على المدى الطويل، كذلك العادات الغذائية السليمة مثل تناول الأكل الصحي كالخضر والفاكهة خلال اليوم أو عدد مكعبات الشوكولا المسموح يوميًا أو أسبوعيًا.
3. ارتباط الطفل بموعد ثابت وروتين محدد للنوم يساعد على تنظيم ساعته البيولوجية ويساعده على النوم بعمق، ويسهل وقت الاستعداد للنوم كما أنه يوفر فرصة لقضاء وقت خاص بالطفل والوالدين وممارسة طقوس النوم الخاصة به مثل الغناء أو الحكايات، كما ربطت بعض الأبحاث الالتزام بروتين محدد للنوم بتطور مهارات الطفل الإدراكية والتنفيذية وتقوية الذاكرة.
4. وجود نمط منظم متوقع للأنشطة اليومية يمنح الطفل شعورًا بالطمأنينة والأمان، لأن إدراك الطفل لنظام بيئته وحدودها ودوره فيها إلى جانب أدوار المحيطين به يوفر مناخًا من الراحة والثقة، كما أن الطقوس العائلية الخاصة مثل الاحتفالات العائلية أو تزيين المنزل للمناسبات المختلفة تدعم لدى الطفل حس الانتماء.
5. التزام الأسرة بطقوس وروتين خاص بها يساهم في تطور مهارات الطفل المختلفة؛ فإلى جانب كونه درسًا عمليًا في قواعد الإتيكيت وسنن الطعام، يمكن لتجمع الأسرة حول المائدة لتناول الطعام وتبادل الأحاديث أن ينمي مهارات الطفل اللغوية.
الحرص على القراءة للطفل بشكل منتظم منذ سن صغيرة يساهم في ارتباط الطفل بالكتب و إثراء حصيلته اللغوية وقدرته على السرد.
6. التجمع بشكل روتيني مع العائلة أو الأصدقاء أو قضاء بعض الوقت في النادي أسبوعيًا يساعد في تنمية مهارات الطفل الاجتماعية وتطوير قدرته على التواصل.
7. تعوّد الطفل على تطبيق نظام محدد والالتزام بالروتين اليومي يشكل أساسًا صلبًا يدعمه في اجتياز الأوقات الصعبة كفترة البلوغ أو الانتقال لمنزل جديد أو حتى طلاق الوالدين.
نصائح لروتين ناجح
يختلف الروتين المناسب من أسرة لأخرى ومن شخص لآخر، بل ويختلف مع الوقت باختلاف ظروف وأعباء نفس الأسرة أو الشخص، ولكن لضمان نجاح الروتين والالتزام بتطبيقه يجب مراعاة التخطيط الجيد والانتظام والمرونة ويفضل تفادي المفاجآت قدر الإمكان وأن لا يخلو من عنصر المرح وقضاء وقت عائلي حميم، بعض الخطوات قد تساعدك في الوصول إلى هدفك أسرع:
1. حدد هدفك: سواء كان تخفيف الأعباء المنزلية أو قضاء وقت أكبر في ممارسة الأنشطة العائلية، ضعي هدفك دائمًا نصب عينيك وقومي بتوظيف خطوات الروتين لتسهيل تحقيقه.
2. قائمة المهام: تجهيز قائمة بالمهام المطلوبة بالترتيب والوقت المفترض لإنجازها مع مراعاة فرق القدرات بين أفراد الأسرة وتحديد الوقت والمهام المناسبين لكل منهم، مع ترك هامش وقت للمفاجآت.
3. لا ترفعي سقف توقعاتك: حددي المهام التي يمكن لأطفالك القيام بها بمفردهم والمهام التي تحتاج للمساعدة وبالتالي تجنّب الضغط عليهم وإصابتهم بالإحباط بسبب عدم قدرتهم على الإنجاز، كذلك تجنّب ما يمكنه إلهائهم أو تعطيلهم.
4. لا تنس عنصر المرح: تنظيم الوقت لا يعني وضع جدول مكدس بالمهام لا وقت فيه للعب والمرح، يجب أن يكون الروتين بسيطًا لا يخلو من المرح، يحتل وقت الراحة أو اللعب وكذلك وقت العائلة جزءًا منه.
5. إضافة عادات جديدة: أسهل طريقة لتعلم الطفل عادة جديدة هي ربطها بعادة أخرى قديمة؛ مثلًا: إذا كنت تريدين أن يعتاد طفلك تنظيف غرفته يوميًا يمكن أن تخصصي لذلك وقتًا قبل موعد الغداء اليومي المعتاد.
لضمان اكتساب الطفل عادة جديدة لا بد من مراعاة تكرارها بشكل يومي أو أسبوعي أو بما يناسب روتينه الخاص، المهم هو التكرار والاستمرار.
6. المدى الزمني: ضعي روتينًا يوميًا لترتيب أنشطة اليوم المختلفة بداية من الاستيقاظ وروتين الصباح وحتى روتين النوم، ثم خطة أسبوعية تتضمن الأحداث والأنشطة الروتينية على مدار الأسبوع وكذلك الشهر.
إدارة الحياة اليومية ومتابعة تفاصيل العمل والمنزل والأطفال تستهلك الكثير من الوقت والطاقة اللذين يمكن توفيرهما بالتخطيط ووضع الروتين المناسب، بالرغم من محاولتنا الهرب منه أحيانًا وكسر دائرة التكرار من آن لآخر إلا أن الروتين ركن هام جدًا من أركان الحياة الأسرية المستقرة خاصة في وجود أطفال، ربما يبدو تناول الطعام في نفس المكان ونفس الموعد أو قراءة نفس القصة كل يوم أمرًا مملًا وغير منطقي لشخص بالغ، ولكن قد يرفض طفل الثانية مثلًا تناول الطعام في غير طبقه أو يواجه صعوبة في النوم دون احتضان لعبته المفضلة أو سماع القصة ذاتها للمرة المائة، فالروتين بالنسبة للطفل يتعدى كونه مسألة تنظيمية أو اعتيادية إلى التأثير على حالته النفسية وسماته الشخصية ومهاراته المختلفة.
حتى لو لم نكن من المهوسين بالتنظيم يتدخل الروتين في معظم تفاصيل يومنا، فالطريقة التي نُحيي بها أطفالنا عند العودة للمنزل وخطوات الإستعداد للخروج وحتى قهوة الصباح ليست سوى روتين خاص.